والثاني: المنْعُ؛ لاستغراقِ المنفعةِ بحَقِّ الغير.
والثالث: أنه يصحُّ بيع العبد، والأمة، دون البهائم والجمادات؛ لأنه يُتَقَرَّبُ إلى الله تعالَى بإعتاقها.
والرابع: أنه يصحُّ البيع من الموصَى له، ولا يصحُّ البيع من غيره؛ إذْ لا فائدة [له] فيه، وهذا أرجح عَلَى ما يدُلُّ عليه كلام الأئمة -رحمهم الله-؛ ومنهم منْ قَطَعَ بالمنع، إذا باع منْ غير الموصَى له.
والماشية الموصَى بنتاجها للغير، يجوز بيعها؛ لبقاء بعض الفوائد، والمنافع؛ كالصوف واللبن والظهر، وإنما الخلافُ فيما إذا استغرقت الوصيةُ المنافع، وهذه الفروع الثلاثةُ هي المذكورةُ في الكتاب، والمواضعُ المحتاجَةُ إلى العَلاَمَاتِ منها غيرُ خَافِيَةٍ.
وقوله: "ولا يملك الوارث بيعه إن أوصَى بمنفعته مؤبداً ظاهره الجوابُ بنَفْي الصحَّة مطلقاً، لكنه عَلَى ما يدل عليه كلامُهُ في "الوسيط" أراد الوجه الفارِقَ بين ما إذا بَاعَ من الموصَى له، أو من غيره؛ والمعنى إلاَّ أن يبيع منْ الموصَى له.
وقوله: "ولا كسب له إلاَّ ما يأخذ من الصدقات" فيه إشارة إلى توجيه الوجْهَيْن، ويمكْنُ أن تجعل مجموعةً وجْهاً للمنع، أي لا كسب له إلاَّ ما يأخُذُ مِن الصَّدقاتِ، وأنها عارضةٌ لا اعتماد عليها، فلا للتصحيح.
الفرع الرابع: ليس للوارث وطء الجارية الموصَى بمنفعتها، إن كانَتْ ممن تَحْبَلُ؛ لما فيه من خوف الهلاك بالطَّلق، والنُّقصان والضَّعْف بالولادة والحَمْل، وقد يوجه أيضاً بأنه غير تامِّ الملك فيها، وإن كانت ممَّنْ لا تحمل، فعلَى وجهين، كما ذكرنا في وطء المراهق الجارِيَةَ المرهونةَ.
وقطع صاحب التَّتِمَّةِ بالجواز، وإن كانت ممَّنْ لا تحبل، وذكر وجهين فيما إذا كانت ممَّنْ تَحْبَلُ، فيحصل من ذلك ثلاثة أوجُهٍ في المسألة؛ فإن حرمنا الوطء، فوطئ، فلا حد؛ لظهور الشبهة، ووجوب المهر يُبْنَى عَلَى أنها لو وُطِئَت بالشبهة؛ لمن يكون المَهر؟ إنْ جعلناه للوارِثِ، لم يجب عليه المهْرُ هاهنا، وإلاَّ، وجب.
فإن أولدها، فالولدُ حرٌّ، وعليه قيمته، وتكون القيمةُ للموصَى له، أم يشترى بها عبداً يخدم الموصَى له، ورقبتُهُ للوارِثِ؟ فيه وجهانِ كالوجهَيْن فيما إذا ولدَتْ ولداً رقيقاً، وتصير الجاريةُ أمَّ ولد له، وتعتق بموته، مسلوبة المنفعة، وفيه وجهٌ ضعيف؛ أنها لا تصيرُ أمَّ وَلَدٍ.
قَالَ الغَزَاليُّ: إِذَا قُتِلَ العَبد فَلِلوَارِثِ اسْتِيفَاءُ القِصَاص، وَيَحْبُطُ حَقُّ المُوصَى لَهُ، فَإِنْ رَجَعَ إِلَى القِيمَةِ فَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الوَارِثَ يَختَصُّ بِهَا، وَقِيلَ: يُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ فَيَقُومُ