قَالَ الرَّافِعِيُّ: في هذه البقيَّة ثلاثُ مسائلَ:
إحداها: في الجناية على العبد الموصَى بمنفعته، فإن قُتِلَ، نُظِر؛ إنْ كان قتلاً يوجب القصاص، فلمالك الرقبة الاقتصاص، وإذا اقتصَّ، حبط حق الموصَى له، كما لو مات، أو انهدمَتِ الدار، وبطَلَتْ منافعها، وإن كان مما يوجب المال، أو رجع إلَيْه، ففي القيمة المأخوذةِ أوجه:
أحدها: أنه للوارث، بحق ملك الرقبة، ولا شيء لمستحِقِّ المنفعة، كما لا حَقَّ للمستأجر في بدل المستأجر، ولا لزوج الأمة في بدَلِها.
والثاني: ويُحْكَى عن أبي حنيفة -رحمه الله- أنه يشترَى بها عبدٌ يقوم مقامه، فتكون رقبته للوارِثِ، ومنفعته للموصَى له؛ لأن القيمة بدلُ الرقبة ومنافعها، فتقوم مقامها، وهذا أصحُّ عند الشيخ أبي حامد والإمام -رحمهما الله تعالى-.
والثالث: أنها توزع على الرقبة مسلوبة المنافع، وعلى المنفعة وحدها وطريقه أن يُقومَ الرَّقبة بنافعها، ثم تقوم بلا منفعة، ولا بدُ، وأن يكون لها قيمة؛ لما في إعتاقها من الثواب، وجَلْب الولاء، فقدر التفاوتِ هو قيمةِ المنفعة، فما هو حصَّةُ الرقبة من القيمة، فهو للوارث، وما هو حصَّةُ المنفعةِ، فللموصَى له، وهذا الوجه والذي قبله مأخذهما واحدٌ، وافتراقهما في أن القيمة تُصْرَفُ إلى عبدٍ آخَرَ، أو تُقَسَّمُ بحالها.
ولولا ما سنذكره من الإشكال في تقويم المنفعة، لاقتضى القياسُ ترجيحُ الثاني، كما في غرامة سائر المتلفات، وإنما يتوجَّه تحصيل عبد آخر في "الوقف".
والرابع: أنها للموصَى له خاصَّةَ؛ لأن تقويمه بمنافعه، والمنافع حقُّه؛ ويخرج على هذا الخلاف [فيما] إذا قتله الوارث، أو الموصَى له؛ فلا شيء على مَنْ لو كان القاتل غيره، لكَانَتِ القيمةُ مصروفة إليه، وإن جنَى عليه بقَطْع بعض أطرافه؛ فمنهم منْ طرد الأوجه الثلاثة الأُوَلَ في الأرش، وذكر أنه يُشتَرَى به على الوجه الثاني، ولا يَبْعُدُ تخريجُ الوجْه الرابع عَلَى هذه الطريقة؛ تشبيهاً له بالولد، والزيادات العينية، ومنهم مَنْ قَطَعَ هاهنا، يكون الأرش للوارث، واتفقوا على ترجيحه، وإنْ ثَبْتَ الخلافُ، وكان سببه أن العبْدَ بقي منتفعاً به، ومقادير المنفعة لا تنضبط، وتختلِفُ بالمرض والكبر، وكأنَّ حقُّ الموصَى له باقياً بحاله.