للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأظهرَهُمَا: البطلانُ؛ لأنه لا يعرف قَدْر الموصَى به حتَّى يخرج من الثلث؛ فإنْ صحَّحناها (١)، فإن لم يكُنْ هناك وصيَّة أخْرَى، فللورثة التصرُّف في ثُلُثَيِ المال لا مَحَالة، وفي ثلثه وجهان:

أحدهما: نفوذُ التصرُّف بعد إخراج الدِّينار الواحِدِ؛ لأنا لا ندْرِي استحقاق الموصَى له في المستقبل.

والثاني: أنه يوقف؛ لأن الاستحقاقَ قد يثبت بقبول الوصية، إلَى أن يظهر قاطع، وإن قلنا بالتوقف، وبقى الموصَى له إلى أن استوعب الدنانير الثلث، فذاك، وإن مات، فعن صاحِبُ "التَّقْريب" أن بقية الثلث تُسلَّم للورثة.

قال الإمام: وفيه نَظَر؛ لأن هذه الوصية، إذا صحَّحناها كالوصيَّة بالثمار بلا نهاية، فوجب أن ينتقل الحقُّ إلى الورثة، وإن نفَّذنا تصرفهم فَكُلَّمَا انقضت سنة، طالب الموصَى له الورثَة بدينار، وكان ذلك كوصية تظهر بعد قسمةِ الورثةِ التركة، وإن كان هناك وصايا أُخَرُ، قال صاحب "التقريب" يغض الثلث بعد الدينار الوَاحِد على أَرباب الوصايا, ولا يتوقف فإذا انقضت سنةٌ أخرَى، استرد منهم بدينار ما يقتضيه التقسيط.

قال الإمام: وهذا بيِّنٌ، إذا كانت الوصية مقيَّدةٌ بحياة الموصَى له، أما إذا لم نقيد وأقمنا ورثته مقامَهُ، فهو مشكلٌ لا يهتدى إليه.

فَرْعٌ: لو انهدَمَتِ الدَّارُ الموصَى بمنافعها، فأعادها الوارِثُ بآلاتها، هل يعود حقُّ الموصَى له؟ فيه وجهانِ محكيَّان في "المعتمد". ولو أراد الموصَى له إعادَتَهَا بآلاتها، فعلى الوَجْهَيْن (٢).

قَالَ الغَزَالِيُّ: الثَّانِيَةُ: إِذا أوْصَى بِالحَجِّ عَنْهُ نُظِرَ، إِنْ كَانَ تَطَوُّعاً صَحَّتْ إن جَوَّزْنَا الاسْتِنَابَةَ بِتطَوُّعِ الحَجِّ، ثُمَّ هُوَ مَحْسُوبٌ مِنَ الثُّلُثِ، وَلَكِنْ يَتنَزَّلُ مُطْلَقُهُ عَلَى حَجِّهِ مِنَ المِيقَاتِ، أَوْ منْ دُوَيرَةِ أهْلِهِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى الوَصِيَّةِ فإنَّه دَيْنٌ يَخْرُجُ منْ رَأْسِ المَالِ وَإِنْ لَمْ يُوصَ بِهِ كَالزَّكَوَاتِ وَسَائرِ الدُّيُونِ، وَلَكِنْ إِنْ قَالَ: حُجُّوا مِنْ ثُلُثِي كَانَ فَائِدَتُهُ زَحْمَةَ الوَصَايَا بالمُضَارَبةِ، وَلاَ يُقَدَّمُ الحَجُّ عَلَى الوَصَايَا في الثُّلُثِ عَلَى الصَّحيحِ (و)، ثُمَّ إِنْ لَمْ يُتَمَّمِ الحَجُّ بِمَا حَصَلَ مِنَ المُضَارَبَةِ كُمِّلَ مِنْ رَأْسِ المَالِ، أَمَّا الحَجَّةُ المَنْذُورَةُ فَفِيهَا وَفِي الصَّدَقَةِ المَنذُورَةِ وَفِي الكَفَّارَاتِ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهَا دَيُونٌ كَالزَّكَوَاتِ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا كَالتَّطَوُّعَاتِ لِأَنَّهُ مُتَبَرَّعٌ بِالتِزَامِهَا، فَإِنْ أَوْصَى


(١) في ز: صححنا.
(٢) قال النووي أصحها العود والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>