للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن المُزَنِيَّ قال في "المختصر": ولو أوصَى أن يَحَجَّ عنه، ولم يَحُجَّ حجة الإسلام، فإن بلغ ثلث حجةً من بلدة، أُحِجَّ عنه منْ بلده، وإن لم يبلغُ أُحِجَّ عنه منْ حيْثُ بلغ، وظاهره يقتضي أن يُحَجَّ عنه منْ ثلثه، فعن أبي الطيِّب بن سلمة، وأبي حفص بن الوكيل في آخرين: أنهم أثبتوه قَوْلاً، وقالوا: لما أوصَى به، أخرجهُ مُخْرَجَ الوصايا، فجعله منْ الثلث، كما لو صرح به. والجمهور منَعُوا منه، وقطَعُوا بأنه منْ رأس المال، كما لو لم يوص، وقالوا: ليس في هذه الوصيَّة إلاَّ تذْكِيرُ الورثة، ثم هؤلاء فريقَانِ:

فريق خَطَّؤوهُ في النقل، وقالوا: الصوابُ نقْلُ الربيعِ، وهو ما نسبناه إلَى "عيون المسائل" وذلك في تطوُّع الحج وآخرون أَوَّلُوا، فعَنِ اَبْنِ سُرَيْجٍ حمْلُ ما نقله المُزَنِيُّ عَلَى ما إذا كانَتْ عليه حَجَّةُ الإسلام، وأوصَى بحجة أخرَى تَطَوُّعاً، ومنهم مَنْ حمله علَى ما إذا قال: أَحِجُّوا منْ ثلثي، ولو قرن بالوصية بالحج ما هو منْ الثلث، كما لو قال: أحِجُّوا عني أو أعتقوا، أو تصدَّقُوا, ولم يتعرَّض للثلث، ولا لرَأْسِ المال، فمن جعل الحجَّ منْ الثلث عند تجرُّد الوصية عن القرينة، فهاهنا أَوْلَى، وأما غيرهم، فعن ابن أبي هريرة: أنه منْ الثلث بالقرينة المضمومة إليه، واستمر عامتهم علَى جوابهم؛ لأن المقترنين لفظاً قَدْ يختلفان حكماً، ورأى الإمام تخْصيصَ هذا الترتيب، بما إذا قال: أوصيتُ إليكم لتُحِجُّوا عني، وتُعْتِقُوا، فإن لم يجر لفظ الوصية، وقال: أَحِجُّوا وأعتقوا، قال: هو كما لو تجرَّد ذكر الحَجِّ، والأشهر ألا نرق ثم مهما (١) جعلنا الحج منْ رأس المال، فيُحَجُّ عنه منْ الميقات؛ لأنه لو كان حيّاً، لم يلزمه إلاَّ ذلك, حتى لو كان في سَفَرِ تجارةٍ، ثمَ بَدا له الحجُّ حتى انتَهَى إِلى الميقات، جاز.

وإنْ جعلناه منْ الثلث، إما لتصريحِهِ بالإضافة إلَى الثلث، أو في صورة الإِطْلاَق، فوجهان كما في حَجِّ التطوُّع:

أحدهما: وبه قال أبو إسحاق: يُحَجُّ عنه منْ بلده؛ لأنَّ الأصل وجوبُ الإحرام منه، قال الله تعالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة - ١٩٦] وعن عمر وعلِيٍّ -رضي الله عنهما- أن إتمامها أن تحرم بهما منْ دُوَيْرَةِ أهلك (٢)، لكن رخُّص في ترك الإحرام إلى الميقات، فيقي السعْيُ منْ البلد واجباً، وعلى هذا قال أبو إسحاق: إِنْ أوصى بالحَجِّ منْ الثلث، فجميعه منْ الثلث، وإن أطلق، فوجهان، فإن جعلناه من الثلث، فالذي هو من الثُّلُثِ مؤنةُ ما بَيْنَ البلد إلى الميقات، فهو من رأس المال.

وأظهرهما: أنه يُحَجُّ عنه من [الميقات لأنه الذي استقرَّ وجوبه في الشَّرْعِ، وعلى


(١) في ز: بينهما.
(٢) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>