للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنبط عيناً، أو حَفَر نَهْرًا، أو غرس شَجَرة، أو وَقَف مُصْحَفًا في حال حياته، أو فَعَل غيره عَنْهُ بعد موته، يُلحَقُ الثواب بالميِّت.

واعلم أنَّ هذه الأمُورَ إذا صَدَرَت من الحيِّ، فهي صدقات جاريةٌ يلحقه ثوابُهَا، بعد الموت، كما ورَدَ في الخَبَرِ.

وإذا فعَلَ غيره عنْه بعْد موته، فقد تصدَّق عنه، والصدقة عن الميت تنفعه، ولا ينبغي أنْ يخصَّص الحكم بوَقْف المُصْحَف، بل يُلْحَقُ به كلَّ وقف، وهذا القياسُ يقتضي جوازَ التَّضْحِيَة عن الميت؛ فإنها ضرْب من الصدقة، وقد رأيت أبا الحَسَنِ العبَّاديَّ أطلَقَ القَوْلَ بجَوَازِ التضحيَةِ عن الغَيْرِ. ورَوَى فيه حديثاً (١)، لكن في "التهذيب": أنه لا تجوزُ التضحيَةُ عن الغَيْر بغَيْر إذْنه، وكذلك عن الميِّت إلا أن يكُونَ قد أوصَى به، والله أعلم.

وما عَدَا هذه القُرَب تَنْقَسِمُ إلَى صومٍ وغيره:

أما الصومُ، فلا يتطوع به عن الميِّت.

وفي قضاء فَائتةٍ عنه قولان، سبق ذكْرُهُما في "كتاب الصوم".

الجديد: المنع، والقديم أن لوليه أن يصومَ عَنْه؛ وعلَى هذا فلو أوصَى إلى أجنبي ليصومَ، كان بمثابة الولي ولو مرض بحَيْث لا يُرْجَى برؤهِ، ففي الصوم عنه وجهان، تشبيهًا بالحج.


= فيها صيد فلم يوجد ناقل الملك إليه ولأن وجد منه سبب نقله إليه في حياته فلم يبق إلا أن يقال إذا كان الإجماع منعقداً على وقوع الصدقة عن الميت تعين أن يقدر حصول الملك له قبيل الصدقة لترتب على هذا النقل حصول الصدقة عنه أو يقال بقدر حصول الملك له قبيل موته وهو بعيد وكل هذا مشكل انتهى.
وليس المراد ما قال، بل المراد أن ثواب الصدقة يحصل للميت بقصد المتصدق ذلك، ومن هذا قال القاضي عياض: يكون انتفاع المصدق عنه، وإن لم يكن له فيه نية أن المتصدق وهب أجرة منه، ولا امتناع فيما قاله أن يتفضل إلا سبحانه وتعالى عند هبة الحي ثواب عمله للميت يجعل ثواب ذلك ثواب للميت.
(١) قال الحافظ في التلخيص كأنه يريد ما رواه أبو داود. والترمذي والحاكم، من حديث علي: أنه كان يضحي بكبش عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبكبش عن نفسه -الحديث- وفيه: أنه أمرني أن أضحي عنه أبداً، صححه الحاكم، وقال في علوم الحديث: تفرد به أهل الكوفة، وفي إسناده حنش بن ربيعة، وهو غير حنش بن الحارث وهو مختلف فيه، وكذا شريك القاضي النخعي، وقال ابن القطان: شيخه فيه أبو الحسناء لا يعرف حاله، قلت: وفي الباب حديث آخر عن أبي رافع: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبش عنه، وبكبش عن أمته، أخرجه البزار وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>