للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يملكُ رقبته، حتى يقال: أوْصَى له بها، وإنما ينتفع بالعِتْق، فهو كانتفاع الوارث بمَسْجِدٍ، وقنطرة بناهما المورِّثُ، وذلك لا يمنع الميراثَ، فلْيُعْلَم؛ لهذا قوله في الكتاب "لم يرث" بالواو، ويجوز أن يعلم بالحاء والميم أَيْضًا؛ لأنَّهما ذهبا إلَى توريثه، ويُحْكَى عن أبي حنيفة -رحمه الله- أنه يسعَى في قيمته، حتَّى يخرج عتقه عن أَن يكُونَ وصيَّةً، ومهما حكَمْنا بأنَّه يعتقُ من رأْس المال، فوجهان:

أصحهما: أنه يرث (١)؛ لأن العِتْقَ، والحالةُ هذه، ليس بوصيَّة، بل هو مستحَقٌّ شرعاً، فلا يلزم الجمع بين الميراث والوَصِيَّة.

والثاني: وبه قال الإِصطخريُّ: لا يرث، ويُجْعَل عتقه وصيَّةً في حقه، وإن لم يُجْعَلْ وصيَّةً في حق الوارث، كما لو نكَحَتِ المريضةُ بدُونِ مَهْر المِثْل، تصحُّ المحاباة منْ رأْس المال، إِن لم يكِنِ الزَّوج وارثًا، وإِن كَانَ وارثًا، يُجعَلَ وصيةَ، فتبطُلُ، ويجِبُ مَهْرُ المثل.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَالَ: أَعْتِقُوا عَبْدِي بَعْدَ مَوْتِي لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى قُبُولِ العَبْدِ لِأَنَّ لِلَّهِ


= الفارقي وهذا من علو درجة الشيخين بركتهما وكيف لا وتحرير المذهب راجع إليهما، ثم ذكر الشيخ البلقيني جرياً على ما تقرر عنده فقال: يستنبط من ذلك أن من كانت له جارية ثم في مرض موته أعتقها ثم تزوجها أنها لا ترث لأن عتقها من الثلث ومن يعتق من الثلث لا يرث، وهكذا أطلق صاحب الحاوي الصغير لكن لو كان للرجل مستولدة فأعتقها في مرض موته ثم تزوجها ثم مات فإنها ترث؛ لأن عتقها لا يحسب من الثلث ولو لم يوجد العتق لعتقت بالموت من رأس المال إلى آخر ما ذكره.
وما ذكره الشيخ عن الحاوي الصغير مصرح به في الروضة في مسائل الدور الحكمي قبل الباب الثاني عشر في اختلاف الزوجين في النكاح فقال ما نصه: أعتق أمة في مرض موته ونكحها على مهر سماه نظر إن لم يخرج من الثلث فحكمه ما ذكرناه في المسائل الدورية في كتاب الوصايا وإن خرجت من الثلث نظر إن كانت قدر الثلث بلا مزيد بأن كانت قيمتها مائة وله مائتان سواء فالنكاح صحيح ثم إن لم يجر دخول فلا مهر لها لأنه لو ثبت المهر لكان دينا على الميت وحينئذ لا تخرج من الثلث ويرق بعضها وحينئذ يبطل النكاح والمهر فإثباته يؤدي إلى إسقاطه فيسقط وإن جرى دخول فقد ذكرنا حكمه في كتاب الوصايا وسواء دخل أم لا فلا ترث بالزوجية لأن عتقها وصية والإرث والوصية لا يجتمعان فلو أثبتنا الإرث لزم إبطال الوصية وهي العتق، وإذا بطلت بطلت الزوجية، وبطل الأرث إلى آخر ما ذكرا في هذا الباب لأنه لا يمتنع الجمع بيهما وذكرا ما تقدم تقريره فمسالة الأمة أيضاً مبنية على ذلك إن قلنا الوصية للوارث باطلة فلا إرث، وإن قلنا: موقوفة على الإجازة فلها الإرث.
(١) ما صححه الشيخ هنا أن يعتق من رأس المال هو المعتمد عند جمع من المتأخرين منهم الشيخ البلقيني والشيخ الأذرعي وإن كان النووي في المنهاج أنه من الثلث. قال الأذرعي: تبع المحرر والمحرر تبع البغوي على عادته ثم ضعف كلام المنهاج وبالغ الشيخ البلقيني في تضعيفه في تصحيح المنهاج.

<<  <  ج: ص:  >  >>