قَالَ الرَّافِعِيَّ: الثاني: إِذا قال: أَعْتِقوا عبْدِي بعْد مَوْتِي، لم يفتقر إِلَى قبول العبد؛ لأن لله تعالَى حقَّاً مؤكَّدًا في العِتْق، فكان كالوصيَّة للجهات العامَّة وبناء المسجد والقَنْطَرَة، ولو قال: أوصَيْتُ له برقبته، فهذه الوصيةُ صحيحةٌ، ومقصودُها الإِعتاقُ، وهل يفتقرُ إلى قبوله؟ فيه وجهان:
أَحَدُهُمَا: لا؛ لأنَّه في المعْنَى كقوله:"اعْتِقُوا عَبْدِي".
وأصحُّهما: وبه أجاب الشيخ أبو عليٍّ: أنَّه يفتقرُ إلَيْه؛ لاقتضاء الصِّيغة القَبُول، وصار كَمَا لو قال لعَبْدِهِ: وهبتُ منْكَ نَفْسَكَ، أَو ملكتك نَفْسَك، فإنه يحتاجُ إِلى القبول في المَجْلِس، وعند أبي حنيفة -رحمه الله-: لا حاجة إلى القَبُول من شيء مِنْ هذه الصور، ولو قال: وهَبْتُ نفْسَك، لا على طريق التمليك، بل نَوَى وبه المعْتِقُ عتق مِنْ غَيْرِ قُبُولٍ (١).
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الثالِثُ: لو قال: إذا متُّ فاعتقوا ثُلُثَ عبْدِي، أو قَالَ: ثُلُثُ عَبْدِي حُرّاً، إِذا متُّ، لم يُعْتَقْ إذا مات أَكثر من ثلثه؛ لأَن إعتاق بَعْض الرقيق، إنَّما يَسْرِي إِلى الباقي، إِذا كان المعْتِقُ مالكاً للباقي، أو لم يكن مالكاً إِلاَّ أَنَّه موسِرٌ بقيمته، وإذا مات، زَالَ ملْكُه عن الباقي وعن سائر أَملاكه، فلا هو حينَ العِتْقِ مالكٌ للباقي، ولا هو موسِرٌ بقيمته، ويخالف ما لَوْ أعتق المريضُ بعْضَ عبده، حيث يَسْرِي إلى الباقي، إِذا وفَّي الثلث به؛ لأنه مالك للبَاقِي، ولو ملك ثلاثةَ أَعْبُدٍ مُتَسَاوِي القِيمَةِ، لا مَالَ له سوَاهُمْ، فأعتقَ في مرضه ثُلُث كلِّ واحد منهم، فقال: أثلاث هؤلاءِ أحرارٌ، وثلثُ كُلِّ واحدٍ حُرٌّ، ففيه وجهان:
أحدُهُما: أنَّهُ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ واحدٍ منهم ثُلُثُه، كما ذكرنا.
وأَصحُّهما: أنه يُقْرَعُ بينهم؛ لتجتمع الحريةُ في واحِدٍ، فإِن عَتَق المالكُ، لا يتجزَّأُ، وإعتاقه بعض مملوكه كإعتاقِهِ جميعَهُ، فكأنه قال: أعتقْتُ هؤلاء، ولو قال ذلك
(١) قال في الخادم: صورة المسألة أن لا يلحقها كاف الخطاب والمعنى وهبت لله نفسك أي جعلتها لله، أما إذا وجد خطاب فلا بد من القبول وعنها احترز -يعني الرافعي بقوله لا على طريق التمليك وغلط من فهم من كلامهما خلاف ذلك، والثابث في نسخ الروضة الصحيحة كما في الرافعي.