موضعُ التوقُّف نقلاً ومعنًى، أما النقل؛ فلِمَا سيأتي في بقية الباب، وفي "كتاب الوديعة"؛ حيث قال "صاحب الكتاب": ولو أوصى إلَى فاسق، ضمن، وأما المعنَى؛ فلأنَّه قد يخاف خيانة الوارث (١)، فيحتاج إلى الاستعانة بأمين، وبالله العصمة والتوفيق.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: لا بُدَّ في الوصاية مِنَ الإِيجاب؛ بأنْ يقول: أوصيت إليك وفوَّضْتُ، أو أقمتُكَ مقامِي وما أشبه ذلك، ويجوز فيها التأقيتُ، كما سبق من جواز التعليقِ، وذلك نحو أن يقول: أوصيتُ إليك إلى سنةٍ أو إلَى أن يبلِغ ابني فلان، أو يوصي إلَى زوجته إلَى أنْ تنكح، وأما القبولُ: فالظاهر اشتراطه، وأشار بعضهم إِلى خلافٍ فيه، وحَكَى، الأستاذ أبو منصور وجهين؛ في أنَّ عمل الوصيِّ، هل يقوم مقام لفْظِ القبول، وكلُّ هذا مأخوذٌ من الوكالة، ولا يشترط وقوعُ القبول في حياة الموصِي، وهلْ يعتد به في حياته وجهان:
أظهرهما: ويحْكَى عن، ابنِ سريج -رحمه الله-، لا؛ كما لو أوصَى بمالٍ يُشترط وقوعُ القبول بَعْد الموت.
والثاني: نعم، كما لو وَكَّلَهُ بعملٍ يتأخر وقته، يكون القَبُول في الحال والامتثال في المسْتَقْبَلِ، والرد في حياة الموصِي عَلَى هذين الوجهين، فعلى الوجه الأول، لو ردَّ في حياته، وَقِبَلَ بعد موته، جاز، ولو ردَّ بعد الموت، لغت الوصاية.
ثم إن فصل الموصِي، فقال: أوصيتُ إليك في قضاء دُيُوني، وتنفيذ وصاياي والتصرُّف في مال أطفالِي، والقيام بمصالحهم، أو ذَكَر بعْضَ هذه الأعمال، فذاك وإن، اقتصر عَلَى قوله: "أُوصيتُ إِليكَ فهو لغو، كما لو قال: وكَّلْتُكَ، ولم يبيِّن ما فيه التوكيل، ولو قال: أوصيت إِليك، أو أقمتك مقامِي في أمر أطفَالِي، ولم يذكر التصرُّف، فوجهان:
أحدهما: أنه ليس له إِلاَّ حفظُ أموالهم؛ تنزيلاً على الأقلِّ.
(١) وأبدى ابن الرفعة معنى آخر فقال: يجوز أن يظهر فائدة الوصاية في تنفيذ الوصاية بالأعيان في حال غيبة الموصى لهم، وفي حال تعذر القبول فيكون الأعيان تحت يد الموصي. ولولا الوصاية لكانت في تلك الحالة تحت يد الحاكم انتهى. وتظهر فائدتها في الودائع والعواري والغصوب في مطالبة الوصي بها لتصل إلى يد أصحابها وتبرأ ذمة الميت عنها.