للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أمّا دليل مشروعيته فما صح في أحاديث مستمدة من ان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فعله مع المقاتلة في وقائع شتى: منها ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي -صلى الله عليه وسلم- "كَانَ يُنَقّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايا لأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسَمُ عَامَّةِ الْجَيْش" وعنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بَعثَ سَرِيَّة قِبَل نَجْدٍ فَخرجت فيها فَبَلَغَتْ سِهَامُنا اثْني عَشَرَ بَعيْراً، ونَفّلَنَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بَعيراٌ بَعيراٌ، متفق عليهما. وما روي عن عبادة بن الصامت أَنَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُنَفّلُ في البَدْاءةِ الربع وَفي الرَّجْعَةِ الثُّلُثُّ، رواه أحمد، وابن ماجة، والترمذي. وقد تلقت الأمة هذه الأحاديث كلها بالقبول، وقد نزل فيه فيما يرى بعض العلماء قوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} والمراد أن الحكم فيها يرجع إلى الله ورسوله فيحكم فيها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بما يراه.
اتفقت الأمة على مشروعية الأنفال، وعبر عنها بعض الفقهاء بالجواز كما جاء في كتاب "المهذب للشيرازي" من علماء الشافعية قال: يجوز لأمير الجيش أن ينفل لمن فعل فعلاً يفضي إلى الظفر بالعدوّ، وعبر عنها بعضهم بالاستحباب كما جاء في كتاب "فتح القدير" للكمال بن الهُمامِ من علماء الحنفِة تعليقاً على قول صاحب "الْهِدَايَةِ" ولا بأس بأن ينفل الإمام في حال القتل ويحرض به على القتال" قال الْكَمَالُ: "أي يستحب أن ينفل نص عليه في المبسوط، وسيذكر المصنف أنه تحريض والتحريض مندوب إليه" ثم قال أيضاً "واعلم أن التحريض واجب للنص المذكور أي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} لكنه لا ينحصر في التنفيل ليكون التنفيل واجباً، بل يكون بغيره أيضاً من الموعظة الحسنة، والترغيب فيما عند الله فإذا كان التنفيل أحد خصال التحريض كان التنفيل واجباً مخيراً، ثم إذا كان هو أدْعَى الخصال إلى المقصود يكون أسقاط الواجب به دون غيره مما يسقط به الواجب أولى وهو المندوب، فصار المندوب اختيار الإسقاط به دون غيره لا هو في نفسه، بل هو واجب مخير".
هذا -وقد نقل الكمال بن الهُمَام أيضاً: طعن بعض الناس على التنفيل بحجة أن فيه ترجيح البعض، وتوهين البعض الآخر قالوا: وتوهين المسلم حرام، فقال الكمال في الرّد عليه "إنّه ليس بشيء، وإلاّ حرم التنفيل لاستلزامه المحرم وهو توهين المسلم مع أن التنفيل ثابت بالأحاديث الصحيحة".
والواقع أن التنفيل من شأنه أن يغري الباقين بمثل ما فعل المنفل له، فهو يورث شجاعة وحمية لا توهينا ثم هو بعد ذلك ليس على عمل قام به جميع المجاهدين، بل على عمل زائد قام به المُنَفَّلُ له فكان النفل مكافأة، وشكراً لا إيثاراً له وانتقاصاً لغيره ممن يساوي. فالحق كما قال الكمال: إنّ هذا القول ليس بشيء.
وممّا سبق بتبين أن التنفيل مشروع الأصل، وأن بحسب ما يراه الإمام فيكون حائزاً ويكون مندوباٌ، وقد يكون واجباً متى تعيّن طريقاً للتحريض الواجب بقوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} الآية.
اختلف الفقهاء في محل النفل من الغنيمة فقل إن من الخمس الواجب لبيت المال، وهو مذهب الإمام مالك، وَرُوِي عن سعيد بن المسيب وقيل من خمس الخمس المرصد للمصالح، وهو الأصح عند الشافعيّة وقيل من الأخماس الأربعة، وهو مذهب الإمام أحمد ووجه عند الشافعية، وبه قال إسحاق، وأبو عبيد، وفقهاء الشام وأنس بن مالك، وقيل من أصل الغنيمة، وروي عن =

<<  <  ج: ص:  >  >>