للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجْعَلُه عَلَى قَدْر العمل وخَطَرِهِ، وقد رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت -رضي اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- "نَفَلَ في البداءة الرُّبُعَ وفي الرَّجْعَةِ الثُّلُث" (١) وفَسَّرَ بعْضُهُمْ "البداءة" بالسرية الأولى "والرجعة" بالثانية، والمشهور أنَّ البداءة ابتداء السفر، والمراد [بالبداءة] (٢) بالسَّرِيَّة: الَّتي بعَثَها الإمامُ قَبْل دخوله دَارَ الحَرْب مقدّمة له، والرَّجْعة: الَّتي يأمرها بالرجُوعِ بَعدَ توجُّه الجَيش إلى دار الإِسلام، وإنما زاد النَّفَلَ في الرَّجْعَةِ؛ لأنهم في البداءة مسترِحُون لم يَطُلْ بِهِم السفر؛ ولأنَّ الكفَّار في غفلة منْهُمْ؛ ولأنَّ الإمام مِنْ ورائهم فيستظهرون به، وكل ذلك في الرَّجّعَة بخلافه، واختلفوا في المراد منَ الخَبَر، بحَسَب اختلافِهِمْ في مَحَلِّ النَّفَل: فَمِنْ قائل: إِنَّ المرادَ ثُلُثُ خُمُسِ الخُمُسِ؛ أو ربعه، ومِنْ قائلٍ: إِنَّ المراد ثُلُث الجميع أو رُبُعُهُ، ومِنْ قَائلٍ: إِنَّ المراد ثلث أربعةِ أخماسها أو رُبُعها.

وقيل: إنه أراد أنه يزاد حصة كلِّ واحدٍ من الغنيمة مثل ثلثه أو مثْل رُبعه، ويجوزُ الزيادَةُ على الثُّلُث، والنُّقْصَان عن الرُّبُع بالاجتِهَاد، والله أعلم، هذا هو الفِقْهُ.

أَما لَفْظُ الكتاب فقوله: "أو يتطرَّق إليها" يعني إلى الغنيمة، وقوله: "ثم القسمة بعده" فظاهر صرف الكناية إلى "المتطرَّق إِليها، لكن في كون القِسْمة بَعْدَ هذه الأمور توقُفٌ واختلافٌ شديدٌ، سواءٌ قدَّرنا أن المرادَ قسْمةُ الغنيمةِ خُمُساً وأربعة أخماس، أو قُسمة الأخْمَاس الأربعةِ على الغَانِمِينَ، أمَّا في النَّفَل، فعلَى قولِنا: إِنه، ينفل من الخمس، فلا تكُونُ القسْمَة بعده، وأما في الرَّضْخ والسَّلَب، فسيأتي.

وقوله: "ومحله مالُ المصالِح" يعني الحاصِلَ في بيت المالِ، وقوله بعده: "أو خُمُس الخُمُس، مما سَيُؤْخَذُ من الكُفَّار" ظاهره يُشْعِرُ بتخيير الإمام، وربما صرَّح به، والأشبه أنَّه يجتهدُ، ويراعي المصلَحَةَ.

وقوله: "أما ثلث خمس الخمس أو ربعه" يعني خمس الخمس مما سيؤخذ منهم.

وقوله: "أو ثلث ما يأخذه أو رُبُعُه" يحتمل أنْ يفسَّرَ بما يأخذه الإمَامُ، ويغنمه من هذا القتال، ويحتمل أنْ يفسَّر بحصته الَّتِي يأخذها من الغنيمة، ولو لم يقل كما يراه الإِمامُ، لجعلنا الترديد إشارة إلَى وجهين للأصْحَابِ قد أسْلَفْنَاهما، فالمحتمَلُ الأوَّل:


(١) رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه، وفي الباب عن حبيب بن مسلمة أخرجه أبو داود وغيره
(تنبيه) فسره الخطابي بما حاصله: إن للسرية إذا ابتدأت السفر نفلها الربع، فإذا قفلوا ثم رجعوا إلى العدو ثانية كان لهم الثلث، لأن نهوضهم بعد القفول أشق عليهم وأخطر. قاله الحافظ في التلخيص.
(٢) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>