للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو الوجّهُ الثانِي منَ الوجوه المذكورة في محلِّ النَّفَل، والمحتملُ الثاني: هو الوجّهُ الآخر من الوجوه المذكورة في تَفْسير حَدِيثِ البداءة، وإذا ذكره، فظاهر المفْهُومِ منه التخييرُ والتَّفْوِيضُ إلَى رأي الاِمامِ، وأنَّه شَيْءٌ زائدٌ على ما قال الأصْحَاب.

فَرْعٌ: إذا قال الأَمير: "من أَخَذَ شَيئاٌ، فهو لَهُ" فعلَى قولَيْن، أشارَ الشافعيُّ -رضي الله عنه- إلَيْهِما:

أحدهما: أنه يَصِحُّ شَرْطُه؛ لما رُوِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ذلك يَومَ (١) بدر، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد -رحمهما الله- ويروى أيضاً عن مالك -رحمه الله-.

وأصحُّهما: المَنْعُ كما لا يجوزُ شّرْط شيء من الغنيمة لغَيْرِ الغانِمِينَ، والحديث مما تكلَّموا في ثبوته، وبتقديرِ ثُبُوته، فإِنَّ غنائمَ بَدْرٍ كَانَتْ له خاصَّةَ يضعها حيْثُ يشاء.

آخر: من ظهر منه في الحرب مبارزة، وحُسْن إِقدامٍ، وأثرٌ محمودٌ، أُعْطِيَ سهمَهُ من الغنيمة وزِيدَ منْ سهم المَصَالِحِ ما يليق بالحال.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَأَمَّا الرَّضْخُ فَهُوَ مَالٌ تَقْدِيرُهُ إِلَى رَأْيِ الإِمَامِ بشَرْطِ أَلاَّ يَزِيدَ عَلَى سَهْمٍ وَاحِدٍ مِنَ الغَانِمِينَ بَلْ يَنْقُصَ، وَيُصْرَفُ إلى العَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ، وَنُقْصَانُهُ عَنِ السَّهْم لِنُقْصَانِ حَالِهِم، وَكَذا الكَافِرُ (و) إِنْ حَضَرَ بِإذنِ الإِمَامِ (و) يُرْضَخ لَهُ، وَفي مَحَلِّهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالِ: (أحَدُهَا) أنَّهُ مِنْ أَصْلِ الغَنِيمَةِ كَأُجْرَةِ النَّقْلِ وَالحَمْلِ (وَالثَّاني): أنَّهُ مِنْ خُمُسِ الخُمُسِ كَالنَّفْلِ (وَالثَّالِثُ): أنَّهُ مِنَ الأَخْمَاسِ الأَرْبَعَةِ لِأَنَّهُ سَهْمٌ مِنَ الغَنِيمَةِ إِلاَّ أنَّهُ دُونَهُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الأمر الثاني (٢): الرَّضْخ: فالعَبِيدُ والصِّبْيَان والنِّسَاء والخَنَاثَى والزَّمْنَى


(١) قال الحافظ: والحديث تكلموا في ثبوته، وبتقدير ثبوته فإن غنانم بدر كانت له خاصة يضعها حيث شاء، أما الحديث فروى الحاكم من حديث عبادة بن الصامت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين ألتقى الناس ببدر نفل كل امرئ ما أصاب، وهو من رواية مكحول عن أبي أمامة عنه، وقيل لم يسمع منه. وروى أبو داود والحاكم من حديث عكرمة عن ابن عباس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يوم بدر: "من قتل قتيلاً فله كذا"، ومن أسر أسيراً فله كذا، فذكر الحديث بطوله، وصححه أيضاً أبو الفتح في الاقتراح على شرط البخاري، قال البيهقي. وروينا في حديث سعد بن أبي وقاص في سرية عبد الله بن جحش قال: وكان الفيء إذ ذاك من أخذ شيئاً فهو له، وأما الجواب الثاني فمستقيم لأن الأحاديث كلها بينة ظاهرة في أن ذلك قبل بدر، وأما ما بعد بدر فصار الأمر في الغنيمة إلى القسمة، وذلك بين في الأحاديث، حديث ابن عباس المتقدم ذكره وغيره.
(٢) الرضخ في اللغة: إعطاء القليل، وفي الشرع إعطاء شيء دون سهم المجاهد يجتهد الإمام في قدرة لأنه لم يرد عن الشرع فيه تحديد، فيرجع فيه إلى رأي الإمام، وعليه أنه يفاوت بين المُرْضَخ لَهُمْ فيعطى كلاً بمقدار نضعه وغنائه وما يقوم به من عمل، واستثنى الحنفية الذمي يقوم بنوع من الدلالة فجوزوا زيادة رضخه على السهم إذا كان في دلالة منفعة عظيمة، ولا يلزم من =

<<  <  ج: ص:  >  >>