والرابع: قال الشافعيُّ -رضي الله عنه-: يُعْطَوْنَ من سهم المؤلفة وسهْمِ سبيل الله، والأصحابُ فرقتانِ في معناه:
فرقةٌ قالت: أراد به الجمع بين السهمين، وذهب إلى أن الواحد يجوز له أنْ يجمع بين سهمين. وفرقة منعت من الجمع، واختلف هؤلاء، فقيل: المراد؛ أنه إن كان التألُّف لقتال الكفار، يُعْطَون من سهم سبيل الله، وإنْ كان التألف لقتال مانعي الزكاة، يعطون من سهم المؤلفة؛ وعلى هذا، فليس في المسألة إلاَّ الأقوال الثلاثة السابقة.
وقال آخرون: يتخير الإمام، إنْ شاء أعطاهم من هذا السهم، وإنْ شاء أعطاهم من هذا السهم، وربما قيل: إن شاء جمع له بين السهمَيْنِ، وهذا ما أورده صاحب الكتاب، وفي المسألة وجه آخر، وهو: أنَّ المتألَّف لقتال مانعي الزكاة وجمعها يُعْطَى من سهم العاملين، وعن أبي حنيفةَ ومالك: أنه لا شيء للمؤلَّفة اليومَ وأنَّ حكمهم قد نسخ.
فإن بحثت عن الأظهر في إعطاء الصنفين الأولين من مؤلفة المسلمين، وعن الأظهر من الخلاف في أنَّهما من أين يعطيان إِنْ أُعْطِيَا، وعن الأظهر من الخلاف في أنَّ الصنفين الآخرين منهم من أين يعطَيَان.
فالجواب: أنَّ الأكثرين أرسلوا ذكر الخلاف في هذه الصور، وسكتوا عن الترجيح، ورأيت الشيخ أبا حامد في شرذمة قالوا:"الأصحُّ مِنَ القولين في الصنفين الأولين؛ أنهما لا يعطيان شيئاً، لكن قياس من صار إليه ألا يعطي الصنفين الآخرين من الزكاة؛ لأنَّ الأولين أحق باسم المؤلفة وسهمها من الآخرين لأن في الآخرين معنى الغزاة والعاملين، ولذلك اختلف الأقوال في أنهم من أين يعطون؟ وحينئذٍ يسقط سهم المؤلفة بالكلية، وقد أطلق القولَ به من تأخِّري الأصحاب القاضي الرويانيُّ وجماعة، إلاَّ أنَّ الموافق لظاهر الآية، ثم لسياق الشافعيِّ -رضي الله عنه- والأصحاب -رحمهم الله- إثباتُ سهْمِ المؤلَّفة، وأنه يستحقه الصنفان الأولان، وأنه يجوز صرفه إلى الآخرين أيضاً، وبه أجاب أقضى القضاة الماورديُّ في الأحكام السلطانية (١)، وقوله في الكتاب: "وَكَذَا مَنْ لَهُ نُظَرَاءُ في الكُفْرِ" مطلقٌ يشمل الأشراف وغيرهم، ولكلٍّ نظرٌ؛ وسائر الأصحاب نقلوا القولين في الأشراف الذين لهم نظراء من الكفر، وقيدوا، فيجوز أنْ يقال: أراد ما أرادوه، ويجوز أن يُقَالَ: لا فرق إلا أنَّ الأشراف هم الدين يبحث عن حالهم، ويتحدث بأخبارهم، فلذلك صوروا الكلام فيهم وغيرهم في معناه، إذا فرض بلوغ خبرهم إلى أمثالهم وتوقُّع إسلامهم.
(١) قال النووي في شرح المهذب ٦/ ١٨٣: وهذا الذي صححه هو الصحيح وهو الصرف إلى الأصناف الأربعة من سهم المؤلفة.