للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْغَزَالِيُّ: السَّابعُ: سَهْمُ سَبِيلِ اللهِ وَالمُرَادُ بِهِ المُتَطَوِّعَةُ مِنَ الغُزَاةِ الَّذينَ لاَ يَأْخُذُونَ مِنَ الفَيْءِ، فأَمَّا مَنْ يَأْخُذُ مِنَ الفَيْءِ وَاسْمُهُ فِي الدِّيوَانِ فَلاَ يُصْرَفُ إِلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَالغَازِي يُعْطَى وَإِنْ كَانَ غَنِياً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الصِّنْف السابع: الغُزَاةُ، وهمْ ضربان: ضربٌ يغزون، إذا نشطوا، وهم مشتغلون بالحِرَفِ والصناعات، وسمَّاهم الشافعيُّ -رضي الله عنه- الأعرابَ؛ لأن أكثر هذا الصنف عَلَى عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا من الأَعْراب وضرب رتَّبوا أنفسهم للجهاد، وتجرَّدوا له، ويسمَّوْن المرابطين، وهم المرتزقة الدين يأخذون من الفيء، والمراد من "سَبِيلِ اللهِ" في آية الصدقة الضَّرْبُ الأول؛ وهم المتطوِّعة الذين لا يأخذون من الفيء (١)، ولا يصرف شيء من الصدقات إِلى المرتزقة؛ كما لا يصرف شيء من الفيء إلى المتطوِّعة، وعلى ذلك جرى الأمر في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنْ لم يكن مع الإمام شيء للمرتزقة (٢)، واحتاج المسلمون إلى من يكفيهم شرَّ الكفار، فهل يعطى


(١) وبه قال أبو حنيفة ومالك -رحمهما الله تعالى- وقال أحمد في أصح الروايتين عنه: يجوز صرفه إلى مريد الحج. وروي مثله عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، واستدل له بحديث أم معقل -الصحابية رضي الله عنها- قالت: لما حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله، وأصابنا مرض فهلك أبو معقل وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما فرغ من حجه جاءته فقال: يا أم معقل ما منعك أن تخرجي معنا. قالت: فقلت: لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل، هو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله. قال: "فهلا خرجت عليه فإن الحج في سبيل الله".
أخرجه أبو داود في السنن، وفيه محمد بن إسحاق مدلس قال: فيه: عن، وإذا قال المدلس: عن. لا يحتج به اتفاقاً، واحتج أيضاً بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحج فقالت امرأة لزوجها: احججني مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما عندي ما أحججك عليه.
فقالت: أحججني على جملك فلان. قال: ذلك حبيس في سبيل الله عزَّ وجلَّ، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله، وانها سألتني الحج معك. قالت: احججني مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: ما عندي ما أحججك عليه. فقالت: أحججني على جملك فلان. فقلت ذلك حبيس في سبيل الله. فقال: أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
واحتج الأصحاب بأن المفهوم في الاستعمال المتبادر إلى الافهام أن سبيل الله تعالى هو الغزو وأكثر ما جاء في القرآن الكريم كذلك. وأجابوا عما أوردناه من الأحاديث بأن الحديث الأول ضعيف لعنعنة محمد بن إسحاق.
والثاني: من الأحاديث أن الحج يسمى سبيل الله، ولكن الآية محمولة على الغزو.
(٢) أما الأول: فأخذه بالاستقراء ولم أره صريحاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>