المرتزقة من الزكاة؟ فيه قولان: أحدهما: نعم؛ من سهم سبيل الله؛ لأنَّهم غزاة.
وأصحهما: لا؛ كما لا يصرف الفيء إلى مصارف الصدقات، فعلى هذا يجبُ على أغنياء المسلمين إعانتهُم، ويعطى الغازِي، غنيّاً كان أو فقيراً، خلافاً لأبي حنيفة في الغَنِيِّ.
وقوله في الكتاب: "سهْم سبيلِ الله" فيه توسُّع؛ فإن الكلام من أول الباب مسوقٌ لبيان الأصناف دون السهام، ويجوز إعلام قوله: "والمراد به المتطوعة" بالألف؛ لأن أصح الروايتين عن أحمد: أنه يجوز صرف هذا السهم إلى الحَاجِّ.
وقوله: "فإن كان غنيّاً" مُعْلَم بالحاء؛ لما سبق، والله أعلم.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّامِنُ: ابْنُ السَّبِيلِ وَهُوَ الَّذِي شَخَصَ (ح م) مِنْ بَلَدٍ لِيُسَافِرَ أَوِ اجْتَازَ بِهِ يُصْرَفُ إِلَيْهِ سَهْمٌ إِنْ كَانَ مُعْسِرِاً بِشَرْطِ لا يَكُونَ السَّفَرُ مَعْصِيَةً.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الصنف الثامن "ابن السبيل" (١)، فله من الصدقات سهم، ويقع هذا الاسم على شخصَيْن:
أحدهما: الذي شَخَص من وطنه أو من بلد كان مقيماً به منشئاً للسَّفَر؛ وعن أبي حنيفة، ومالك: "أنه ليس بابن سبيل"، والأصحاب قاسوه على المجتاز؛ لأنه مريدٌ للسفر، محتاجٌ إلى أسبابه.
والثاني: الغريبُ المجتازُ بالبلد، وفيه طريقان:
أحدهما: أنه على الخلاف في جواز نَقْلِ الصدقات، فإن جوزنا، جاز الصرف إليه، وإلاَّ فلا؛ كيلا يزدحم الغرباء؛ فيضيِّقوا على البلدين، وبالمنع أجاب المسعوديُّ.
وأصحهما: الجواز بكل حال؛ لأنه ابن سبيل، حاضرٌ في الحال.
وإذا عرفت ذلك، أَعْلَمْتَ قوله: "وهو الذي شخص" بالحاء والميم، وقوله: "أو اجتاز بِهِ" بالواو، ثم إنا نُعْطِي ابنَ السبيل بشرطَيْن:
أحدهما: ألاَّ يكون معه ما يحتاجُ إليه في سفره، ويدخل فيه مَنْ لا مال له أصلاً، ومن له مالٌ في غير البلد الذي ينتقل عنه، ولفظ "المعسر" في الكتاب محمولٌ على المعسر يداً.
والثاني: إلاَّ يكون سفره سفر معصية، فيعطَى في سفر الطاعة مفْروضاً كان؛
(١) السبيل: في اللغة الطريق، ويؤنث ويذكّر. وسمي المسافر ابن السبيل للزومه للطريق كلزوم الولد والدته.