للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الله تعالى: {وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: ٤٨] وقال عزّ وجلّ: {وَمَا


= عليه محمد بن عبد الله -الحديث- وكذا أخرجه الإِسماعيلي في مستخرجه، وقال أبو الخطاب بن دحية: صار بعض الناس إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب، منهم أبو ذر الهروي، وأبو الفتح النيسابورى، وأبو الوليد الباجي، وصنف فيه كتاباً، قال: وسبق إلى ذلك عمر بن شبة في كتاب الكتاب له، فإنه قال فيه: كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده يوم الحديبية، وقال أبو بكر بن العربي في سراجه: لما قال أبو الوليد ذلك طعنوا عليه، ورموه بالزندقة، وكان الأمير متثبتاً فأحضرهم للناظرة، فاستظهر الباجي ببعض الحجة، وطعن علي من خالفه، ونسبهم إلى عدم معرفة الأصول، وقال: اكتب إلى العلماء بالآفاق فكتب إلى إفريقية وصقلية وغيرهما، فجاءت الأجوبة بموافقة الباجي، ومحصل ما تواردوا عليه أن معرفته الكتابة بعد أميته لا ينافي المعجزة، بل تكون معجزة أخرى، لأنهم بعد أن تحققوا أميته وعرفوا معجزته بذلك، وعليه تنزل الآية السابقة، صار بعد ذلك يعلم الكتابة بغير تقدم تعليم، فكانت معجزة أخرى، وعليه ينزل حديث البراء انتهى وقد رد أبو محمد بن معور على أبي الوليد الباجي، وبين خطأه في هذه المسألة في تصنيف مفرد، ووقع لأبي محمد الهواري معه قصة في منام رآه، ملخصه: أنه كان يرى مما قال الباجي، فرأى في النوم قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ينشق ويميد ولا يستقر، فاندهش لذلك، وقال في نفسه: لعل هذا بسبب اعتقادي، ثم عقدت التوبة مع نفسي فسكن واستقر، فلما استيقظ قص الرؤيا على ابن معور فعبرها له كذلك، واستظهر بقوله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} الآيات، ومحصل ما أجاب به الباجي عن ظاهر حديث البراء أن القصة واحدة، والكاتب فيها كان علي بن أبي طالب، وقد وقع في رواية أخرى للبخاري من حديث البراء أيضاً بلفظ: لما صالح النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل الحديبية. كتب على بينهم كتاباً،. فكتب محمد رسول الله، فتحمل الرواية الأولى على أن معنى قوله فكتب، أي فأمر الكاتب، ويدل عليه رواية المسور في الصحيح أيضاً في هذه القصة، ففيها: والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله، وقد ورد في كثير من الأحاديث في الصحيح وغيره إطلاق لفظ كتب بمعنى أمر، منها حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى قيصر، وحديثه كتب إلى النجاشي وحديثه كتب إلى كسرى، وحديث عبد الله بن عكيم كتب إلينا رسول الله، وغير هذه الأحاديث كلها محمولة على أنه أمر الكاتب، ويشعر بذلك هنا قوله في بعض طرقه: لما امتنع الكاتب أن يمحو لفظ محمد رسول الله، قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: أرني فمحاه فإن ظاهره أنه لو كان يعرف الكتابة لما احتاج إلى قوله: أرني، فكأنه، أراه الموضع الذي أبى أن يمحوه، فمحاه هو -صلى الله عليه وسلم- بيده، ثم ناوله لعلي فكتب بأمره: ابن عبد الله، بدل: رسول الله، وأجاب بعضهم على تقدير حمله على ظاهره، أنه كتب ذلك اليوم غير عالم بالكتابة، ولا بتمييز حروفها، لكنه أخذ القلم بيده فخط به، فإذا هو كتابة ظاهرة على حسب المراد، وذهب إلى هذا القاضي أبو جعفر السمناني، وأجاب بعضهم بأنه ليس في ظاهر الحديث إلا أنه كتب محمد بن عبد الله، وهذا لا يمتنع أن يكتبه الأمي كما يكتب الملوك علامتهم وهم أميون.
وأما الشعر فكان نظمه محرماً عليه باتفاق، لكن فرق البيهقي بي غيره بين الرجز وغيره من البحور، فقالوا يجوز له الرجز دون غيره، وفيه نظر، فإن أكثر على أن الرجز ضرب من الشعر، وإنما ادعى أنه ليس بشعر الأخفش، وأنكره ابن القطّان وغيره، وإنما جرى البيهقي لذلك ثبوت قوله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، فإنه من بحور الرجز، ولا حائز أن يكون مما تمثل به كما سيأتي لأن غيره لا يقول: أنا النبي، ويزيل عنه الإِشكال أحد أمرين، إما أنه لم يقصد الشعر =

<<  <  ج: ص:  >  >>