للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حياته. قال: وهذا هو الصَّحِيحُ.

والثاني: أن ما خلفه سبيله سبيل الصدقات؛ لما رُويَ أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ" وهذا ما أورده أبو العبَّاسِ الرُّوْيانِيُّ في "الْجُرْجَانِيَّاتِ"، ثم حكى وجهين في أنه هل يصير وقفاً على ورثته؟ ووجهين لو صار وقفاً من أنه هل هو الواقف بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا تَرَكْنَاهُ صُدَقَةٌ"، ويجوز أن يعلم في الكتاب بالواو، لما ذكرنا (١).

قوله في الكتاب: "وجعل ميراثه صدقة"، ثم صاحب الكتاب جعل هذه الخَصْلَةَ من جملة التخفيفات، وكان المعنى فيه أنْ جعله صدقة لا يورث زيادة للقربة (٢)، ورفعة للدرجات (٣). والأكثرون عدوها من الكرامات وهي من النوع الرابع من خصائصه -صلى اللهِ عليه وسلم-[لا] مما اختص به من التخفيفات. وكان له أن يقضي بعلم نفسه (٤)، وفي غيره قولان مشهوران، وأن يحكم لنفسه ولولده (٥)، وأن يشهد لنفسه ولولده (٦)، وأن يقبل شهادة من يشهد له. ونقل أبو العبَّاسِ الرُّويَانِيُّ في حكمه لنفسه ولولده وجهين.

وكان له أن يحمي لنفسه (٧)، والأئمة بعده لا يحمون لأنفسهم، كما سبق في "إحياء الْمَوَاتِ"، وأن يأخذ الطعام والشراب من المالك، وإن احتاج إليهما (٨)، وعليه البذلُ، ويفدي بمهجته مهجة رسول الله -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لأنَّ رسول الله -


(١) قال النووي: كل هذا ضعيف، والصواب الجزم بأنه زال ملكه، وأن ما تركه فهو صدقة على المسلمين لا يختص به الورثة. وكيف يصح غير ما ذكرته مع قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا نورث ما تركناه فهو صدقة"؟ فهذا نص على زوال الملك.
(٢) في أ: القربة.
(٣) في أ: الدرجات.
(٤) قال الحافظ: استدل له البيهقي بحديث عائشة في قصة هند بنت عتبة، وقوله لها: خذي من ماله ما يكفيك، وسيأتي الكلام عليه في باب القضاء على الغائب إن شاء الله تعالى.
(٥) قال الحافظ: استدلوا له بعموم العصمة، ويلتحق بذلك حكمه وفتواه في حال الغضب، وقد ذكره النووي في شرح مسلم، ويمكن أن يأخذ الحكم من حديث خزيمة الآتي قريباً.
(٦) قال الحافظ: استدلوا لذلك بقصة خزيمة بن ثابت هي شهيرة أخرجها أبو داود والحاكم، وأعلها ابن حزم؛ وأغرب ابن الرفعة فزعم أنها مشهورة، وأنها في الصحيح، وكأن مراده بذلك ما وقع في البخاري من حديث زيد بن ثابت. قال: فوجدتها مع خزيمة الذي جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهادته بشهادة رجلين، ذكرها في تفسير الأحزاب.
(٧) قال الحافظ: أما حماه لنفسه، فلم أره في شيء من الأحاديث.
(٨) قال الحافظ: لم أرَ وقوع في ذلك شيء من الأحاديث صريحاً، ويمكن أن يستأنس له بأن طلحة وقاه بنفسه يوم أحد؛ وبأن أبا طلحة كان يتقي بترسه دونه، ونحو ذلك من الأحاديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>