للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وكان لا ينتقض وُضُوءَهُ بالنَّومِ (١).

وذكر أبو العباس فيه وجهاً آخَرَ غريباً، وكذلك حكى وجهين في انتقاض وضوئه باللمس (٢)، وفيما حكى صاحب "التلخيص" أنه كان يجوز له أن يدخل المسجد جُنُباً، لم يسلمه القَفَّالُ، وقال: لا أخاله صحيحاً (٣)، وأنه كان يجوز له القتل


(١) يدل عليه ما في الصحيحين البخاري [١١٤٧ - ٢٠١٣ - ٣٥٦٩]، مسلم [٧٣٨] عن عائشة مرفوعاً: "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي" وعن ابن عباس أنه -صلى الله عليه وسلم- قام حتى نفخ، ثم قام فصلى ولم يتوضأ، وفي البخاري في حديث الإِسراء من طريق شريك عن أنس: وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.
(٢) قال الحافظ: قال النووي في زياداته: المذهب الجزم بانتقاضه، قلت: أجاب به بعض الشافعية على ما أورده عليهم الحنفية في أن اللمس لا ينقض مطلقاً، بأن ذلك من خصائصه، لأن الحنفية احتجوا بأحاديث منها في السنن الكبرى بإسناد صحيح عن القاسم عن عائشة قالت. إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي، وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله، وفي البزار من طريق عبد الكريم الجزري عن عطاء عن عائشة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل بعض نسائه، ثم يخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ، وإسناده قوي، نعم احتج بعض الشافعية بهذا الحديث على أن وضوء الملموس لا ينقض، وهو قول قوي في المذهب.
(٣) قال النووي في زوائده هذا الذي قاله صاحب "التلخيص"، قد يحتج له بما رواه الترمذي [٣٧٢٩] عن عطية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا علي لا يحل لاحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك" قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال الترمذي: قال ضرار بن صرد، معناه: لا يحل لاحد يستطرته جنباً غيري وغيرك، وهذا التأويل الذي قاله ضرار، غير مقبول وقال إمام الحرمين: هذا الذي قاله صاحب "التلخيص" هو لا يدري من أين قاله، وإلى أي أصلٍ أسنده. قال: القطع بتخطئته، وهذا كلام من لم يعلم الحديث المذكور، لكن قد يقدح قادح في الحديث بسبب عطية، فإنه ضعيف عند جمهور المحدِّثين، لكن قد حسنه الترمذي، فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه كما تقرر لاهل هذا الفن، فظهر ترجيح قول صاحب "التلخيص" والله أعلم.
لعل مراد صاحب التلخيص بالدخول المكث لأنه المحرم على الأمة ونقل عن البيهقي أنه نبه على أن المحرم أنه هو المكث واعترض على ابن القاص وهذا واضح لا إشكال فيه.
قال الشيخ ولي الدين العراقي: إذا شاركه -صلى الله عليه وسلم- في ذلك علي رضي الله عنه لم يكن من الخصائص. وقد يقال من الخصائص بالنسبة لباقي الأمة قال الحافظ معقباً على كلام النووي السابق: ويمكن أن يدعي أن ذلك خاص بمسجده فلا يحل لأحد أن يستطرقه جنباً ولا حائضاً إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك علي لأن بيته كان مع بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويدل على ذلك قول ابن عمر في الصحيح للذي سأله عن علي: انظر الى بيته، وروى النسائي من حديث ابن عباس في فضائل علي قال: وكان يدخل المسجد وهو جنب، وهو طريقه ليس له طريق غيره، وضعف بعضهم حديث أبي سعيد بأن راويه عنه عطية وهو ضعيف، وفيه سالم بن أي حفصة وهو ضعيف أيضاً، وأجيب بأنه يقوي بشواهده، ففي مسند البزار من حديث خارجه بن سعد عن أبيه ما يشهد له، وفي ابن ماجة =

<<  <  ج: ص:  >  >>