للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلاةِ؛ ولأنهما لو استويا لأمر الرجال بالاحتجاب كالنساء. هذا في الأجانب.

فأما نَظَرُهَا إلى الْمَحَارِم فهو كنظر الرجل إلى المرأة المحرم قال الإمام، والمحققون: على أن ما فوق السُّرَّةِ، وتحت الرُّكْبَةِ من الرجل كما يبدو عند المهنة في المرأة، ولا يجوز للمرأة النَّظَرَ إلى الرَّجُلِ عند خوف الفتنة، وقد رُوِيَ عن أمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- أنها قالت: كُنْتُ مع مَيْمُوْنَةَ عند رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إذ أقبل ابن أم مَكْتُومٍ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "احْتَجَبَا مِنْهُ" فقلت: يا رَسُولَ اللهِ: أليس هو أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا؟! فقال: "أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانَهُ" (١). فمن قال بالوجه الثاني احتج بظاهره، ومن قال بالثالث حمله على الاحتياط.

قَالَ الغَزَّالِيُّ: وَالعُضْوُ المُبَانُ كَالمُتَّصِلِ بِهِ، وَالنِّكَاحُ وَالمِلْكُ يُبِيحَانِ النَّظَرَ إِلَى السَّوْءَتَيْنِ مِنَ الجَانِبَيْنِ مَعَ كَرَاهَةٍ، وَالمَسُّ كَالنَّظَرِ.

قال الرَّافِعِي: في الفصل ثَلاَثُ مَسَائِلَ:

إحداها: ما لا يجوز النظر إليه وهو متصل كالذكر، وَسَاعِدِ الْحُرَّةِ، وشعر رأسها، وما أشبهها هل يحرم النظر إليه بعد الانفصال؟. فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ لأن النظر إليه بعد الانفصال لا يخاف منه الفتنة (٢).

وأصحهما: استمرار التحريم، وبه أجاب أبو علي الشَبُوِّي مفتي "مرو" وفيما يحكى أن أبا عبد الله الخِضْري سئل عن قُلاَمَةِ الْمَرْأَةِ -هل يجوز للرجل الأجنبي النظر إليها؟. فاطرق الشيخُ متفكراً وكانت تحته بِنْتُ أبي علي فقالت: سَمِعْتُ أبي يقول: إن كانت قلامة يدها فله النظر إليها، وإن كانت قلامة الرجل فلا.


(١) أخرجه أبو داود [٤١١٢] والنسائي والترمذي [٢٧٧٩] وابن حبان [١٤٥٧ موارد]، وليس في إسناده سوى نبهان مولى أم سلمة شيخ الزهري وقد وثق، وعند مالك عن عائشة أنها احتجبت من أعمى، فقيل لها: إنه لا ينظر إليك. قالت: لكني أنظر إليه، وقال ابن عبد البرّ: حديث فاطمة بنت قيس يدل على جواز نظر المرأة إلى الأعمى وهو أصح من هذا، وقال أبو داود: هذا لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة بدليل حديث فاطمة، قلت: وهذا جمع حسن، وبه جمع المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا.
قال الحافظ: تنبيه: لما ذكر الإِمام تبعاً للقاضي الحسين حديث الباب، جعل القصة لعائشة وحفصة وتعقبه شيخنا في تصحيح المنهاج بأن ذلك لا يعرف، لكن وجد في الغيلانيات من حديث أسامة على وفق ما نقله القاضي والإِمام، فأما أن يحمل على أن الراوي قلبه؛ لأن ابن حبان وصف راويه بأنه كان شيخاً مغفلاً يقلب الأخبار، وهو وهب بن حفص الحراني، هاما أن يحمل على التعدد، ويؤيده أثر عائشة الذي قدمته.
(٢) في ز: فتنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>