وأما الجمهور فقد استدلوا بالكتاب والسنّة والمعقول:. أما الكتاب فقول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} وقوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}. ووجه الدلالة في الآية الأولى: أن النهي موجه إلى الأولياء عن منعهِن عن نكاح من يخترق من الأزواج، ولا يتحقق المنع إلا مِمَّن في يده الممنوع، فدل ذلك على أن عقد النكاح في يد الولي لا في يد المرأة، وعليه فلا يصح منها لو باشرته بنفسها، ويؤيد هذا ما روي في سبب النزول من أن معقل بن يسار كانت له أخت تحت أبي البرَّاح فطلقها، وتركها حتى انقضت عدتها، ثم ندم على فراقها فخطبها فرضيت به، وأبى أخوها أن بزوجها، وقال: وجهي من وجهك حرام أن تزوجتيه فنزلت الآية. فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معقلاً وقال له: إن كنت مؤمناً فلا تمنع أختك عن أبي البراح، فقال آمنت بالله، وزوجتها منه، فلو كان لها أن تباشر النكاح بدون وليها؛ لزوجت نفسها، ولم تحتج إلى وليها معقل -وعلى هذا يبعد أن يكون النهي في الآية للأزواج كما قيل. ومما يقوي القول بأن النهي في الآية للأولياء ما روي عن ابن عباس. أنه قال: نزلت هذه الآية في الرجل يطلِّق امرأته طلقة أو طلقتين، فتنقضي عدتها، ثم يبدو له أن يتزوجها وأن يراجعها، وتريد المرأة ذلك، فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى الله أن يمنعوها. ووجه الدلالة في الآية الثانية والثالثة. أن الخطاب موجه فيهما إلى الأولياء فدل ذلك على أن الزواج إليهم لا إلى النساء. وأما السنّة: -فأولاً ما رواه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تُزَوِّجُ المرْأَةُ المرْأَةَ وَلاَ تُزَوِّجُ المرأةُ نَفْسَها فإنَّ الزَّانِيَةَ هِي الَّتي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا". ووجه الدلالة من هذا الحديث "أن النبي عليه الصلاة والسلام. نهى المرأة عن أن تزوج نفسها فدل ذلك على فساد نكاحها لأن النهي إذا رجع إلى ذات الفعل يدل على الفساد ويؤيده قوله في آخر الحديث "فإنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا". وثانياً: بما روى أحمد وأصحاب السنن -إلا النسائي- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِي" صححه ابن حبان، والحاكم وذكر له الحاكم طرقاً، وقال: قد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، ثم سرد تمام ثلاثين صحابياً. وهذا الحديث صريح في أن النكاح لا يصح بدون الولي. وثالثاً: بما روى الخمسة -إلا النسائي- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِدُونِ إِذْنِ وَليِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا المهْرُ بمَا اسْتَحَلّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ ولِي مَن لا وَلي لَهُ". ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حكم على نكاحها نفسها بدون إذن وليها بالبطلان، وكرر ذلك ثلاثاً لتأكيد بطلانه، فهو قاض باشتراط الولي في صحة النكاح. =