للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأما المعقول: فقد قالوا: إن النكاح له مقاصد شتى وهو رباط بين الأسر والمرأة لا تحسن الاختيار لقلة ما لديها من الاختيار، لا سيما أنها تخضع لحكم العاطفة التي تطغى عليها جهة المصلحة، فتحصيلاً لهذه المقاصد على الوجه الأكمل قلنا بمنعها من مباشرة العقد.
وقد نوقشت أدلة الجمهورة بما يأتي.
فقد قيل لهم في الآية الأولى إن معنى النهي فيها التحذير عن مَنْعِهِنَّ من مباشرة العقد بأنفسهن، فَدَلَّ ذلك على صحته منهن استقلالاً، وإلا لم يكن للتحذير معنى. على أننا لا نسلم أن النهي للأولياء، بل هو للأزواج بدليل صدر الآية، إذ يقول اللهُ تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} فقوله: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} إنما هو خطاب لمن طلق لا للأولياء، حتى لا تخيل النَّظْمُ الْكَرِيمُ، وإذا كان كذلك. كان معناه لا تعضلوهن أيها الأزواج، أي: لا تمنعوهن حساً بعد إنقضاء العدة أن يتزوجن أوْلاً تمنعوهن بإطالة العدة عليهن كما قال في آية أخرى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا}.
وترد هذه المناقشة بما ورد في سبب النزول، من أن العاضل هو معقل، وهو ولي لا زوج، وليس في لك ما يخل بالْنَّظْمِ الْكَرِيم؛ لأن محل ذلك إذا خفي المراد وحصل الاشتباه، أَمَّا إذا ظهر المراد، ولم يكن هناك اشتباه، فلا بأس من تفكيك الضمائر، وقد عهد في القرآن الكريم تحويل الخطاب، ولو كان منعه يدل على صحة النكاح بمباشرتها كما قيل؛ لأَبَاحَ لها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تباشر النكاح بنفسها، ولما قال لمعقل إن كنت مؤمناً فزوجها.
على أن يحتمل أن يكون الخطاب في صدر الآية للأولياء، ويكون معنى إسناد الطلاق إليهم أنهم سبب له لكونهم الزوجين للنساء المطلاقات من الأزواج، وعلى هذا الاختلال في النظم الكريم. ويقال لهم في الآية الثانية والثالثة: إنه يحتمل أن يكون الخطاب فيهما لعامة المؤمنين، لا لخصوص الأولياء، وإلا لأمرهم بماشرة عَقْدِ الزواج، فيكون من باب التشريع العام للمسلمين بأن يكون المراد بالإنكاح ما يشمل العقد، وتسهيل، والحث عليه، والتعاون فيه بإعطاء المال، واختيار الْكُفَءِ، وغير ذلك. على أن المقصود من الآية الثانية هو اشتراط إيمان الزوج إذا كانت الزوجة مؤمنة.
ويجاب عن هذه المناقشة بأننا لا نسلم أَنَّ الخطاب يحتمل أن يكون لعامة المسلمين، بل هو للأولياء، ومما يرجح كونه للأولياء قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضُونَ دِيْنَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ" إذ إن المعروف أن من أراد أن يخطب امرأة يأتي وليها فقط.
وأما الأحاديث التي تمسك بها الجمهور، فقد نوقشت بما يأتي.
أما الحديث الأول، فقد قيل لهم فيه: إن ابنَ كَثِيرٍ قال فيه الصحيح، وقفه على أبي هريرة وعلى تسليم رفعه فغايته التنفير من استبداد المرأة بنفسها في النِّكَاحِ، وترد هذه المناقشة بأننا لا نسلم أن الحديث غير مرفوع، بل هو مرفوع، وقد حكي رفعه يَحْيَى بنُ مُعِينٍ، وليس المراد منه التنفير كلما قيل؛ لأن النهي ظاهر في عدم الصحة.
وقيل لهم في الحديث الثاني إنه حديث ضعيف مضطرب في إسناده فقد رُوِيَ موصولاً ومنقطعاً ومرسلاً، فلا تقوم به حجة على أصلكم. وعلى تسليم صحة الاحتجاج به بناءً على تقديم الوصل على الانقطاع عند التعارض. فغايته أنه حسن، وهو لا يعارض الحديث الصحيح، وهو حديث =

<<  <  ج: ص:  >  >>