وترد هذه المناقشة، بأن ابن حبَّانَ والحاكم صححاه، وذكر له الحاكم طُرُقاً، وقال: صَحَّتْ فيه الرواية عن أزواج -النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة. وأم سلمة. وزينب بنت جحش ثم ذكر تمام ثلاثين صحابياً، وقد قال المروزي سألت أحمد ويحيى عن حديث "لا نَكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ" فقالا صحيح، ولا نسلم معارضته لحديث "الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا" وذلك لما قلناه في معناه من أن المراد أنها أحق بنفسها في أن لا يعقد عليها الولي إلا برضاها؛ لأنها أحق بنفسها في أن تعقد على نفسها بدون وليها. ويقال لهم في الحديث الثالث ما يأتي. أولاً: إن هذا الحديث رُوِيَ من جملة طرق مدارها على ابْنِ شِهَاب الزُّهْرِيِّ، فبعضها من رواية ابنِ جُرَيجٍ، وبعضها من رواية الحجاج بن أرطاه، وبعضها من رواية ابن لهيعة، وابن لهيعة معروف، والحجاج ضعيف، ولم يثبت سماعه من الزهري فهو موقوف، وأما رواية ابن جريج، فقد أخبر ابن علية أن ابن جريج قال لقيت الزُّهْرِيَّ فسألته عنه فأنكره. ثانياً: إن هذا الحديث رُوِيَ عن عائشة، وقد زَوَّجَتْ حفصة بنت عبد الرحمن، وقد كان غائباً. ثالثاً: إنه يخالف مذهب الجمهور، فإن مفهومه وهم يحتجون بالمفهوم بدل على صحة النكاح إذا باشرته المرأة بإذن وليها. يجاب عن المناقشة الأولى بأن المخالف يحتج برواية كل من ابن لهيعة والحجاج، فكيف لا يحتج بها عند الاجتماع وأما رواية ابن جريج إنكار الزهري لرواية سليمان بن موسى، فقد ضَعَّفَهَا ابنُ مُعِينٍ، فقد أخرج عنه البيهقي من طرق منها أن جعفر الطيالسي قال: سمعت ابنِ مُعِينٍ يوهن رواية ابنِ علية عن ابن جريج أنه أنكر معرفة حديث سليمان بن موسى، وقال: لم يذكره عن ابن جريج غير ابن علية، وإنما سمع ابن علية من ابن جريج سماعاً ليس بذاك. ولو ثبت هذا عن الزهري لم يكن في ذلك حجة؛ لأنه قد نقله عنه ثِقَاتٍ منهم سليمان بن مرسى، وهو إمام ثقة، وجعفر بن ربيعة، فلو نسبه الزهري لم يضره ذلك فإن من حفظ حجة على من نسي. فهذا رَوَى الحديث ثقة، فلا يضره نسيان من نسيه. ويجاب عن المناقشة الثانية بما قاله البَيهَقِيُّ. ونحن نحمل قوله: زوجت، أي: مهدت أسباب التزويج، وأضيف النكاح إليها لاختيارها ذلك، وإذنها فيه ثم أشارت على من ولي أمرها عند غيبة أبيها، حتى عقد النكاحِ، ويؤيد هذا ما رَوْاهُ ابن جريج عن عبد الرحمن بن محمَّد بن أبي بكر عن أبيه عن عائشة أنها نكحت رجلاً هو المنذر بن الزبير امرأة من بني أخيها، فضربت بينهم بستر ثم تكلمت، حتى إذا لم يبق إلا العقد أمرت رجلاً فأنكح، ثم قالت فإنَّ المرأة لا تلي عقد النكاح، فالوجه أن عائشة قررت المهر وأحوال النكاح، وتولى العقد أحد عصبتها، ونسب العقد إليها لما كان تقريره إليها. ويجاب عن المناقشة الثالثة: -بأن المفهوم هنا معطل؛ لأن الكلام خرج مخرج الغالب. وأما المعقول فقد قيل لهم فيه. إن تحصيل المقاصد المذكورة لا يتوقف على مباشرة الولي العقد بنفسه، بل يكفي أن يأذن لها، وليباشر العقد بعد ذلك من يباشره. وترد هذه المناقشة بأن مباشرة المرأة للعقد تتنافى، ومحاسن الشريعة الإسلامية وآدابها، فإن المرأة تنسب إلى الوقاحة، والخروج عن مألوف العادات، وكيف يقوم هذا؟ وقد قامت الأدلة القوية على أن المرأة ممنوعة من مباشرة العقد بنفسها. =