للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والظاهر من ذلك كُلِّه أنه لا يزوج، وَأَنَّهُ ينتظر إفاقته وبه أَجَابَ في "التَّهْذِيْبِ" ثم الخلاف فيما إذا بقي له تمييز، ونظر فأما الطامح الذي سَقَطَ تَمْيْيزُهُ بِالْكُلِّيَّةِ فكلامه لَغْوٌ.

الصورة الخامسة: الأسقام والآلام الشديدة الشاغلة عن النظر ومعرفة المصلحة تمنع الولاية وتنقلها إلى الأَبْعَدِ كالجنون. هَذَا نَصُّهُ -وبه أخذ الأَصْحَابُ، لكن ليس سكون الألم الشديد بَأبْعَدَ من إفاقة الْمُغْمَى عليه، فإذا انتظرنا الإفاقة في الإِغماء وَجَبَ أَنْ ينتظر السكون هاهنا وبتقدير عدم الانتظار يجوز أن يقال: يزوجها السلطان لا الأبعد كما في صورة الغيبة؛ لأن الأهلية باقية وشدة الألم مانعة من النَّظَرِ كالغيبة.

الصورة السَّادِسَةُ: للأعمى أن يتزوج بِلاَ خِلاَفٍ وهل له أن يزوج بالولاية؟.

فيه وجهان:

أحدهما: لا -لأَنَّهُ نقص يؤثر في الشهادة، فأشبه الصِّغَرَ.

وأصحهما: نعم؛ لأن المقصود يحصل بالبحث عن الغير والسَّمَاعِ منه، وإنما [لم] (١) تقبل شهادته لتعذر التَّحمُّلِ عليه، ولهذا تقبل شهادته فيما تحمله قبل العمى.

واحتج له أيضًا بأن شعيبًا عليه السَّلاَمُ زوج وهو مَكْفُوفٌ البصر (٢)، وَيَجْرِي مِثْلَ هَذِيْنِ الوَجْهَيْنِ في أَنَّ الأخْرَسَ هل يلي ومنهم من قَطَعَ بِأنَّهُ يَلِي، وَالْخِلاَفُ فيما إذا كانت له كناية، أو إشارة مُفْهَمَةٌ، فإن لم يكن فليس له التزويج، وَأَمَّا لَفْظُ الْكِتَابِ فقوله: "وَالْعَتَهُ" أَرَادَ به الْحَالَةُ الموجبة للإختلال في الرأي والنظر في اختيار الأزواج، وصاحب هذه الحالة قد يُحَافِظُ عَلَى المَالِ، وَالْمُرَادُ من "السَّفَهِ" التبذير المحوج إلى الحجر وقوله: "تنقل الولاية إلى الأبعد" ممكن رده إلى قوله أولًا.


(١) سقط في ز.
(٢) أخرجه الحاكم [٢/ ٥٦٨] في المستدرك من حديث ابن عباس بإسناده لا بأس به أنه قال في قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} قال: كان مكفوف البصر، وذكر الروياني في كتاب الشهادات من البحر، أنه لم يكن أعمى، وإنما طرأ عليه ذلك بعد النبوة وأداء الرسالة وفراغها، ومال إلى هذا شيخ شيوخنا تقي الدين السبكي ونصره، ورد ما يخالفه، وحديث ابن عباس الذي أوردناه يرد عليه والله أعلم، وقد اختلف في الذي زوج موسى واستأجره، هل هو شعيب أو غيره، فالأكثر على أنه شعيب، وعن ابن عباس هو يتري صاحب مدين، رواه ابن جرير ورجاله ثقات إلا شيخه سفيان بن وكيع، وعن الحسن هو سيد أهل مدين، وعن ابن إسحاق أنه حبر أهل مدين وكاهنهم، وعن أبي عبيدة أنه يترون ابن أخي شعيب، وفي مسند الدارمي والحلية عن أبي حازم سلمة بن دينار التصريح بأنه شعيب النبي عليه السلام.
فائدة: اسم ابنة شعيب التي تزوجها موسى: صفورًا، وأختها: شرقاء، رواه الحاكم في المستدرك أيضًا قاله الحافظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>