للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: ما يسلب النظر، وعطف المرض الشديد على الصفات المذكورة قبله، ويمكن قطع المرض عما قبله والاكتفاء بفهم المقصود من عد ما قبله مما يسلب النظر، وَعُدَّ مَا يَسْلَبُ النَّظَرَ من سوالب الولاية، وقوله: "والإغماء ينقلها بعد ثلاثة أيام" -أَيْ للِسُّلْطَانِ- معلم بالواو للوجه المذكور في أنه تنتقل إلى الأَبْعَدِ وَأَرَادَ بقوله "بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ" أنه ينتظر هذه المُدَّةَ بعدما عرض الإِغماء، وَهَذَا شَيءٌ اخْتَارَهُ صَاحِبُ "الْكِتَابِ" عنده على ما بينه في "الوسيط"، ولم يتعرض له غيره.

وقوله: "والجنون المنقطع ينقل الولاية إلى الأبعد" معلم بالواو للوجه الذاهب إلى أنه ينقل إلى السلطان وللوجه الذاهب إلى أنه لا ينقل عنه أصلًا.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الثَّالِثُ) الفِسْقُ (ح) يَسْلُبُ الوَلاَيَةَ عَلَى أَضْعَفِ القَوْلَيْنِ، وَالكُفْرُ لاَ يَسْلُبُهَا (و) بَلْ وَلِيُّ الكَافِرَةِ كَافِرٌ، وَإنَّمَا يَسْلُبُهَا اخْتِلاَفُ الدِّينِ لِسُقُوطِ النَّظَرِ.

قال الرَّافِعِيُّ: فيه مَسْأَلَتَانِ:

المسألة الأولي: اختلف إشعار ألفاظ الشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في ولاية الْفَاسِقِ، وللأصحاب فيه طُرُقٌ:

أشهرها: إثبات قولين:

أحدهما: وبه قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ ومالك -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّهُ يلي؛ لأَنَّ الْفَسَقَةَ لم يمنعوا من التزويج في عصر الأولين (١).


(١) والتحقيق أن العدالة عند الحنفية ليست شرطًا في صحة العقد، وإنما هي شرط في كماله فقط، وعليه فالفسق لا يسلب الولاية وإنما يسلب الكمال فقط، وليس معنى هذا أنه إذا وجد البعيد العدل يقدم على القريب الفاسق فإن هذا بعيد؛ بل المعنى أن الولي العدل يترجح تقديمه على الولي الفاسق الذي في مرتبته، وهذا كله إذا كان الفاسق غير متهتك بأن كان مستترًا. أما المتهتك فقد قيل إنه لا يصح أن يتولى العقد لأنه ساقط عن درجة الاعتبار حينئذ وقد اشترط الإمام الشَّافعي العدالة في الولي ودليله النقل والعقل أما النقل فما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا نكاح إلا بولي مرشد" والمرشد بمعنى الرشيد، كالمصلح بمعنى الصالح. والفاسق ليس برشيد. وأما المعنى فلأن الولاية من باب الكرامة والفسق سبب الإِهانة وهما ضدان لا يجتمعان. وأيضًا الولاية في النكاح نظرية فلا يؤمن عليها الفاسق. ويدل للحنفية على عدم اشتراط العدالة النقل والمعنى. أما النقل فعموم قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "زوجوا بناتكم الأكفاء" من غير تفصيل بين عدل وفاسق. وأيضًا فإن الناس على بكرة أبيهم من لدن رسول الله إلى وقتنا هذا يزوجون بناتهم من غير نكير فدل ذلك على أنه لا يشترط في الولي أن يكون عدلًا. وأما المعنى فهو أن هذه الولاية نظرية، والفسق لا يمنع من تحصيل النظر لنفس الفاسق ولا من الباعث عليه ولأن الشفقة ولأن حميته تمنع من أن يوقع وليَّتَهُ في الدناءة، =

<<  <  ج: ص:  >  >>