للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحهما: لا؛ لأن الرخصة قد وردت في وقت الاستواء فيبقى الباقي على عموم النهي. فإن قلنا بالوجه الأول جاز التنقل في وقت الاستواء وغيره، وإن قلنا بالثاني فهل يجوز ذلك لكل واحد. فيه وجهان:

أحدهما: نعم لمطلق قوله: "إِلاَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ" وإيراد المصنف يقتضي ترجيح هذا الوجه، لأنه حكم بالاستثناء.

ثم رُوي عن بعضهم تخصيص الاستثناء بمن يغشاه النعاس، وبترجيحه قال صاحب "التهذيب" وغيره.

واحتجوا عليه أيضاً بما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- "كَرِهَ الصَّلاةَ نِصْفَ النَّهَارِ إِلاَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ: "إنَّ جَهَنَّمَ تُسَجَّرُ إِلاَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ" (١).

والوجه الثاني: أنه لا يجوز التنفل لكل أحد؛ لأن المعنى المرخص لا يشمل الكل، وذكروا في الترخيص معنيين.

أحدهما: أن الناس عند الاجتماع يوم الجمعة يشق عليهم مراعاة الشَّمْسِ والتمييز بين حالة الاستواء وما قبلها وما بعدها، فخفف الأمر عليهم بتعميم الترخيص.

والثاني: أن الناس يبتكرون إليها فيغلبهم النوم فيحتاجون إلى طرد النعاس بالتنفل كيلا يبطل وضوءهم فيفتقرون في إعادة الوضوء إلى تخطي رقاب الناس، فعلى هذين المعنيين جميعاً المتخلف القاعد في بيته وقت الاستواء لعذر أو غير عذر ليس له التنفل فيه، وأما الذي حضر الجمعة، فقضية المعنى الأول تجويز التنفل له مطلقاً، وقضية المعنى الثاني تخصيص الجواز بالذي يبتكر إليها ثم يغلبه النعاس، أما الذي لم يبتكر ولم يُؤْذِهِ النعاس فلا يجوز له ذلك، وقول صاحب الكتاب: "وقيل: يختص ذلك بمن يغشاه النعاس عند حضور الجمعة" يوافق المعنى الثاني من جهة اعتبار غشيان النعاس، ولكن قضية تجويز التنفل بمن يغشاه النعاس وإن لم يبتكر إليها، وفي كلام غيره ما يقتضي اعتبار التبكير وكون غلبة النعاس لطول الانتظار.

واعلم أن قوله: "وقد ورد الخبر باستثناء يوم الجمعة عن الكراهية" ظاهره يقتضي استثناء جميع الأوقات الخمسة كما حكيناه وجهاً عن بعض الأصحاب، ولكن قوله: "وهل يختص ذلك بمن يغشاه النعاس؟ " يبين أنه أراد بالأول وقت الاستواء لا غير، وفيه اشتهر الخبر وهو الأصح في المذهب، وأما المكان فقد روي عن أبي ذر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ صَلاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاةَ


(١) أخرجه أبو داود (١٠٨٣) من رواية أبي قتادة بإسناد ضعيف ومرسل والبيهقي (٢/ ٤٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>