القبلة ثم يلتفت شمالاً ويقول: حي على الفلاح مرتين، وهذا ما عليه العمل.
والثاني: يلتفت يميناً ويقول: حي على الصلاة مرة، ثم يرد وجهه إلى القبلة ثم يلتفت يميناً، ويقول: حي على الصلاة مرة أخرى وكذلك يفعل بالجهة الثانية، وإنما اختصت الحيعلتان بالالتفات دون سائر الأذان؛ لأن سائر الأذان ذكر الله تعالى وهنا خطاب الآدمي فلا يعدل عن القبلة فيما ليس بخطاب الآدمي، وهذا كالسلام في الصلاة ويلتفت فيه، ولا يلتفت في سائر الأذكار، وإنما لم يستحب في الخطبة أن يلتفت يميناً وشمالاً، لأن ألفاظها تختلف، والغرض منها الوعظ والإفهام فلا يخص بعض الناس بشيء منها كيلاَ يختل الفهم بذهاب بعض الكلام عن السماع، وهاهنا الغرض الإعلام بالصوت، وذلك يحصل بكل حال، وفي الالتفات إسماع النواحي، وهل يستحب الالتفات في الإقامة؟ فيه وجهان:
أشهرهما: نعم كما في الأذان.
والثاني: لا، لأن المقصود منها إعلام الحاضرين فلا حاجة إلى الإلتفات إلا أن يكبُرَ المسجد، ويحتاج إليه وليكن قوله:"ولا يحول صدره عن القبلة" معلماً بالحاء والألف؛ لأن عند أبي حنيفة وأحمد إن أذن على المنارة دار عليها، وإن أذن على وجه الأرض اقتصر على الالتفات.
قال الغزالي: وَرَفْعُ الصَّوْتِ في الأذان رُكْنٌ.
قال الرافعي: ينبغي للمؤذن أن يرفع الصوت بالأذان وأن يبالغ فيه ما لم يجهده، وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:"يُغْفَرُ لِلْمُؤَذِّنِ مَدَى صَوْتِهِ"(١).
ثم الأذان ينقسم إلى ما يأتي به الإنسان لنفسه وإلى ما يأتي به للجماعة.
أما الأول: فيكفي فيه أن يسمع نفسه على المشهور؛ لأن الغرض منه الذكر، دون الإعلام. وقال الإمام: الاقتصار على إسماع النفس يمنع كون المأتي به أذاناً وإقامة، فليرد عليه قدر ما يسمع من عنده لو حضر، ثم يقر، بخلاف الذي قدمناه في أن المنفرد إذا أذن هل يرفع صوته؟ مفروض على المشهور في أنه هل يستحب الرفع؟ وعلى ما ذكره الإمام في أنه هل يعتد به دون الرفع؟ وأما الأذان للجماعة فقد ثقل عن نصه أنه لو جهر بشيء من الأذان وخافت بشيء لم يكن عليه إعادة ما خافت به كما لو أسر بالقراءة في موضع بالجهر، وللأصحاب فيه ثلاثة أوجه:
(١) أخرجه أبو داود (٥١٥) وابن ماجة (٧٢٤) والنسائي (٢/ ١٢) وابن حبان (١٦٥٨) وصححه ابن خزيمة وابن حبان.