وثانيها: أنه لا يجوز الإسرار بالكل، ولو أسر بكلمة أو بكلمتين فلا بأس، والنص محمول على هذه الحالة.
وأصحها: وبه قال صاحب "الإفصاح" أنه لا يجوز الإسرار بشيء منه؛ لأن ذلك مما يبطل مقصود الأذان، وهو الإبلاع والإعلام، والنص محمول على أذان المنفرد، وقد عرفت بما ذكرنا أن لفظ الكتاب محمول على أذان الجماعة، ثم هو معلم بالواو للوجهين الآخرين، وأما الإقامة فلا يكفي فيها الاقتصار على إسماع النفس كما في الأذان على الأصح، ولكن الرفع فيها دون الرفع في الأذان لأنها للحاضرين.
قال الرافعي: لعلك تقول لم عد رفع الصوت ركناً والترتيب شرطاً فاعلم أنه ليس في هذا كبير شيء، وكلاهما مما لا بد منه، ولو عد الترتيب ركناً في الأذان كما فعل في الوضوء لم يبعد، لكن يمكن أن يقال: ركن الشيء ما يفوت بفواته المقصود من ذلك الشيء، والشرط زينة الشيء وتتمته، وإذا كان كذلك فرفع الصوت مما يفوت بفواته المقصود من الأذان وهو الإعلام، والترتيب زينة وهيئة للكلمات، وبهذا فرقنا بين الترتيب وسائر الأركان في الوضوء، فجعلنا النسيان عذراً فيه دون غيره على قول: إن الظن إنه ما قصد تحقيق فرق بينهما، وفي سياق كلامه في "الوسيط" ما يفهم ذلك وغرض الفصل: أنه يعتبر في الأذان شيئان:
أحدهما: الترتيب بين كلماته؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- "علمه مرتباً" فيتبع، ولأنه لو لم يكن لها ترتيب خاص لأورث ذلك اختلال الإعلام والإبلاغ، فلو عكس الكلمات لم يعتد بها معكوسة، ويبني على القدر المنتظم، ولو نزل بعض الكلمات من خلاله أتى به وأعاد ما بعده.
الثاني: الموالاة؛ لأن غرض الإعلام يبطل إذا تخلل الفصل الطويل ويظن السامعون أنه لعب أو تعليم. ويتعلق بهذا الشرط مسائل:
إحداها: لو سكت في أثناء الأذان يسيراً لم يضر؛ لأن مثله يقع للنفس والاستراحة ولا ينقطع به الولاء، وإن طول السكوت فقد حكى في الكتاب فيه قولين، وبناهما الإمام على القولين في الطهارة، وهذا أولى باعتبار الموالاة فيه كيلا يلتبس الأمر على السامعين ولا يبطل غرض الإعلام، فإن أعتبرنا الموالاة بطل المأتي به بالسكوت