للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بردَّة أو طلاقٍ، لم تقبل شهادتهما، وأنه لو كان له في يَدِ عبْدِهِ مالٌ، فأخذه واشترى به عبدَيْن، وأعتقهما، فشهدا عليه بأنَّه كان أعتقه قبل ذلك، لم يُقْبَل، وأنه لو مات ووارثُه في الظاهر أخوه، فأعتق عبداً من التركة، وولي العتيق القضاء، فجاءَ مجهولُ النسب، وادعى أنه ابنُ الميت، وأقام شاهَدْين، لم يَقْبَلْ هذا الحاكمُ شهادَتَهما، ولم يحكم بقولهما، هكذا ذَكَره، وكان يجُوز أن يقال: يحكم بشهادتهما، وَيثْبُت النسب، ولا يثبت الإِرث، كما لو أعتق الأخُ في هذه الصورة عبدَيْن، وشهدا ببنوَّة المدَّعِي، وحينئذٍ، فلا يؤثر نسبه في العتْق والقضاء، وأنه لو وَرِث عبداً من موِّرثه المقتول، وأعتقه، وولى العتيق القضاء، وجاء الوارثُ إليه وادَّعَى على قاتله القصاصَ، فقال: قتلته، وهو مُرْتَدُّ، وأقام عليه شاهدَيْن، لم يحكم هذا الحاكم بشهادتهما، ومِنْ هَذَا القبيل، لو أعتق عبدَيْن، فجاء إنسان، وادَّعى أنه كان قد غَصِبَ العبدَيْن، وشهد لهما بذلك، لم تُقْبَل شهادتهما، وفي "التهذيب": أنه لو ملَكَ رجُلٌ أخاه، ثم أقرَّ في مرض موته أنَّه كان قد أعتقه في الصحة، كان العتق نافذاً، وهل يَرِث إن صحَّحنا الإقْرَارَ للوارث؛ فنعم، وإلاَّ، لم يرث؛ لأنَّ توريثَه يبطل الإِقرار بحرِّيته، وإذا بَطَلَتِ الْحُرِّيَّةُ، سقط الإِرث.

الفصل الثاني: قال صاحب الكتاب في مجموعة "غاية الغور في دراية الدَّوْر" المسائلُ الدَّائِرةَ لا بدَّ فيها من قطْع الدَّور، وفي قطْعِه ثلاثة مسالك؛ تارةً يُقْطَعُ الدَّوْر فيها مِنْ أوَّله، وتارةً مِنْ وسَطِهِ، وتارةً من آخره، وذلك بحَسَب قوَّة بعْض الأحكام وبُعدْه عن الدفع، وضعف بعضها وقربه للدَّفْع.

مثالُ القَطْع من الأول: بيعُ العَبْد لزوجته الحرَّة قبل الدُّخُول بصَدَاقها الثابت في ذمَّة السيد، فإنَّا حَكْمنا بفساد البَيْع، وقَطْعنا الدَّوْر من أصله، ولم نَقُل: يصحُّ البيع، ولا ينفسخ النكاح، أو يَنْفَسخِ ولا يسقُطُ الصَّداق، وسببه أن البَيْعَ اختيارِيٌّ، وحصول الانفساخ بالمِلْك قهريٌّ، وكذا سقوطُ الصَّداق بالإنفساخ، وما يختاره الاِنسان من التصرُّفات يصحُّ تارةً، ويفْسُد أخْرَى وما يثبت قهراً يبْعُد دفْعُه بعْد حصُول سببه، فكان البيع أولَى بالدفع من غيره.

ومثال القطْع من الوسَط الصورةُ الثَّانية مِنَ الصُّور الخَمْس المذكورة في الكتاب، فإنا لم نقْطَعِ الدَّوْرَ من أوَّله، بأن نقول: لا يحْصُل العتق، ولا من آخره؛ بأن نقول: لا يرتد المهرُ حتى لا تَضِيقَ التركة، ولكنْ قطَعْناه، من وَسْطِه، فقلْنا: لا يثبت الخيارُ، وسببه أن سقوط المهر عند حصُول الفَسْخ قهريٌّ يَبْعد دفعُه، والخيار أولَى بالدفع من العِتْق؛ لأن العتق أقوَى؛ أَلاَ تَرَى أنَّه لا يسقط بعد ثبوته، والخيارُ يسقطُ بعد ثبوته بالإسْقَاطِ وبالتقصيرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>