للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثال القطع من الآخر الصورة الأولَى من الصور الخَمْس، فإنَّا لم نقطع الدَّوْر من الأول؛ بأن نقول: لا يحْصُل العتق، ولا من الوسَطِ؛ بأن نقول: لا يصحُّ النِّكَاحُ، ولكن قطَعْنا من الآخر، فقلنا: ليس لها المهرُ، وَيُمْكن أن يقال: سببه أن العِتْقَ له قوةُ السُّرعة والسراية؛ فلا يدفع، والنكاحُ أقوَى من المهر المسمَّى فيه، فإنَّ ثبوت النكاح يستغنى عن المهْر بدليل المفوّضة والمسمى مهراً لا يثبت من غير ثبوت النكاح، وأيضاً فخطر النكاح وقدره فوق خَطَر المال، فَكَانَ المال أولَى بالدفع، وعُدَّ من هَذَا القسم الثالثِ ما إذا قَالَ لزوجته: إنِ انفسَخَ النكاحُ بينِي وبينَكِ، فأنت طالقٌ قبله ثلاثاً، ثم اشتراها أو جرَى رِضَاع أو رِدَّةٌ، فلا يُقْطَع الدوْرُ من أوله؛ بأن نقول: لا ينفسخ النكاح، ولَكِنْ يقْطَعُه من آخره؛ بأن يقول: ينفسخ، ولا يقع الطلاق، وربَّما نعود في هذه الصور في "مسائل الطلاق" والدَّوْرُ فيها لفظيٌّ، واللهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ: لا يجوز للعبْدِ التسرِّي، وإن جاز له النكاح؛ لأنه لا يملك، فإنْ ملَّكه السيِّد جاريةً، وقلنا بالجديد؛ وهو أنه لا يملك، فلا يحل له وطؤها، وإن أذن السيِّد، وإن استولدها، وإن الولد ملكاً للسيد، فإن قلْنا بالقديم؛ وهو أنه يملك، فقد ذكرنا في البيعُ أنَّ الظاهر أنه يتسَّرى، إن أذن السيد، وأنه ليس له التسرِّي، إن لم يأذن، لكن، لا يحدُّ لو وطئ لشُبْهة الملك، وإذا استولَدَها، فالولد ملك له، لكن لا يُعْتَق عليه؛ لضَعْف ملكه، وتعلُّق حق السيد به، فإن عَتَق، عَتَق الولد أيضاً، وحكم المدَّبر والمعلَّق عتقه بصفة حَكْمُ القِنِّ في ذلك، ومن بعض حرٌّ وبعضه رقيقٌ، إذا اشْتَرى جاريةً بما اكتسبه ببعْضه الحرِّ، يملكها، لكن لا يطأها دون إذْنِ السيِّد؛ لأنَّ بعْضَه مملوكٌ، والوطء يقع بجميع بدَنه لا يختص بالبعض الحرّ، ومال ابْنُ الصَّباَّغ إلَى أنه لا حاجة إلَى إذْن السيد، كما أنه لا يحتاج في الأكل من كسبه والتصرف فيه إلى إذن السيِّد، وإن أَذَنَ السيد له في الوطء، وفرعنا علَى أنه لا بدّ من إذْنه، فَعَلَى القديم؛ يجوز، وَعَلَى الجديد؛ لا يجوز؛ لأن ما فيه من الملك يمنع من التسرِّي، والمكاتَبُ لا يتسرَّى من غير إذن السيد وبإذْنه قولان؛ بناء على الخلافِ في تبرُّعاته بإذن الْمَوَلى، واللهُ أَعلَمُ.

قَالَ الغَزَالِيُّ: (الفَصْل السَّادِسُ في النِّزَاعِ) وَدَعْوَى الرَّجُلِ الزَّوْجِيَّةَ صَحِيحَةٌ وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا الدَّعْوَى؛ لأَنَّ إقْرَارَهَا مَقْبُولٌ وَدَعْوَاهَا المَهْرَ صَحِيحَةٌ، وَأَمَا دَعْوَاهَا مجَرَّدَ الزَّوْجِيَّةِ فَفِيهِ خِلاَفٌ، لأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ حَقٌّ عَلَيهَا وإنْ كَانَ مُتَعَلَّقَ حُقُوقٍ لَهَا، ثُمَّ إن سَكَتَ الزَّوْجُ أَقَامَتِ البَيِّنَةَ، وإنْ أَنْكَرَ فَإنْكَارَهُ طَلاَقٌ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ فَلاَ مَعْنَى للِبَيِّنَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مقصودُ الفصْل الكلامُ في طَرَفٍ من دَعْوَى النكاح والتنازع فيه، والنكاحُ إما أن يدَّعِيَه الرجُلُ أو المرأة.

<<  <  ج: ص:  >  >>