للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية: إذا تَلِفَ الصَّداقُ المُعَيَّنُ في يده، فإن قلنا: إنه مَضْمُونٌ ضَمَانَ العقد، فَيَنْفَسِخُ عَقْدُ الصداق، وُيقَدَّرُ عَوْدُ المِلْكِ إليه قُبَيْلَ التَّلَفِ، حتى لو كان عَبْداً، كان عليه مُؤنَةُ تَجْهِيزِهِ، كالعبد المَبِيعِ يتلف في يَدِ البائع، ولها عليه مَهْرُ المِثْلِ؛ لأن النِّكَاحَ مُسْتمِرٌّ، والبُضْعُ كالتَّالِفِ، فيرجع إلى بَدَلِهِ، كما لو رد المبيع بعَيْبٍ، وقد تَلِفَ العِوَضُ في يد البائِعِ، يلزمه بَدَلُهُ إما المِثْلُ، أو القِيمَةُ، وكما لو هَلَكَ الثَّمَنْ في يَدِ المُشْتَرِي بعدما قَبَضَ المَبِيع، وتلف عنده، فإنه يجب على المُشْتَرِي بَدَلُ المَبِيعِ من المِثْلِ، أو القيمة.

وإن قلنا: إنه مَضْمُونٌ ضَمَانَ اليَدِ، فالصَّدَاقُ الذي تَلِفَ تَلِفَ على مِلْك الزَّوْجَةِ، حتى لو كان عَبْداً، كان عليها تَجْهِيزُهُ، ولا يَنْفَسِخُ الصَّدَاقُ على هذا القَوْلِ، ولكن بدل ما وجب على الزوج تَسْلِيمُهُ يُقَوَّمُ مَقامَهُ، فيجب لها عليه مِثْلُ الصَّداقِ إِن كان مِثْلِيّاً، وقيمَتُهُ إن كان مُتَقَوّماً، وُيرْوَى هَذا عَنْ أبي حَنِيْفَةَ، وأحمد ورَجَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ، والشيخ أبو حامِدٍ وُجُوبَ بَدَلِ الصَّدَاقِ، والأكثرون على تَرْجِيحِ القَوْلِ الأول، وهو وجوب مَهْرِ المِثْلِ، وإذا أَوْجَبْنَا القِيمَةَ فأية قيمة تجب؟ وجهان أو قولان:

أَصَحُّهما: أنه يجب أَقْصَى القيمة من يوم الإِصْدَاقِ، إلى يوم التَّلَفِ؛ لأنها التَّسْلِيمَ كان مُسْتحقّاً عليه في جَمِيعِ المُدَّةِ، فيلزمه فيه البَدَلُ الأَقْصَى.

والثاني: تجب قِيمَتُهُ يَومَ التَّلَفِ؛ لأنه لم يكن مُتَعَدِّياً في الإِمْسَاكِ.

وفي "التتمة" وجه ثالث: أن الوَاجِبَ قِيمَتُهُ يوم الإِصْداقِ؛ لأنها التي تَناوَلَها العَقْدُ، فإن فرضت زِيَادَةٌ، وجب ألا يَضْمَنَها؛ لأنه غير مُتَعَدٍّ، وبعضهم يحكى أن الواجب أقَلُّ الأمرين من قيمته من يوم الإِصْدَاقِ إلى يوم التَّلَفِ، فهذا وَجْةٌ رَابعٌ، وإذا طالبت المَرْأَةُ بالتَّسْلِيمِ، فامْتَنَعَ فالوَجْهُ الأوَّلُ يجيء لا مَحالَةَ، ولا يجيء سَائِرُ الوُجُوهِ.

وفيه وجه آخر: أنه يَجِبُ أَقْصَى القِيَمِ من وقت المُطالَبَةِ [إلى التلف لأنه] (١) يصير مُتَعَدِّياً، ولو طالبها الرَّجُلُ بالقَبْضِ، فَامْتَنَعَتْ، ففي بقاء الصَّدَاقِ مَضْمُوناً عليه وجهان، نَقَلَهُمَا أبو الفرج السُّرَخْسِيُّ الأصح: البَقاءُ، كما أن البائِعَ لا يخرج عن عُهْدَةِ المَبِيعِ بهذا القدر، هذا إذا تَلِفَ الصَّداقُ بنفسه.

أما إذا أتلف، نُظِرَ إن أتلفته الْمَرْأَةُ جعلت قابِضَةً لِحَقِّها، وبرئ الزَّوْجُ (٢) وذكرنا


(١) سقط في ب.
(٢) قال في الخادم: هذا إذا كانت الزوجة أهلاً للقبض، فلوكانت صغيرة فالقياس ألا تكون قابضة، وكذا لو كانت سفيهة؛ لأن قبضها غير معتد به، وإن كان قبض السفيه بإذن الولي معتداً به في الأصح؛ لأن ذاك في قبض لا ضرر فيه بخلاف الإِتلاف فإنه ضرر، وقد ورد في البيع استثناء صور من أن إتلاف المشتري قبض فجيء هنا فاستحضرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>