للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الرابعة: المَنافِعُ الفائِتَةُ في يد الزَّوْج غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عليه إن قلنا بضمان العَقْدِ، وإن طالبته بالتَّسْلِيم، فامتنع (١)، وإن قلنا بِضَمَانِ اليد، فعليه أُجْرَةُ المِثْلِ من وقت الامْتِنَاعِ، والمَنَافِعُ التي اسْتَوْفَاهَا وَفَوَّتَها كالركوب واللُّبْسِ والاسْتِخْدَام لا يَضْمَنُهَا أيضاً على قول ضَمَانِ العَقْدِ، إن جعلنا جنَايَةِ البائِع كالآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ، إن جعلَناها كَجِنايَةِ الأجنبي، أو قلنا بضمان اليد، فَيَضْمَنُها بِأُجْرَةِ المِثْلِ والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: فَلاَ مَعْنَى لِتَكْثِيرِ الكَلاَمِ بِالتَّفْرِيعَ عَلَى القَوْلَيْنِ فَإنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ ولذَلِكَ يُؤْخَذَ بالشُّفْعَةِ، وإِنَّما لا يَفْسَدُ النِّكَاحُ بِفَسَادِهِ لأَنَّ إِخْلاَءَ النِّكَاحَ عَنِ المَهْرِ لا يُفْسُدُهُ لأَنَّهُ يُثْبُتُ شَرْعاً في المُفَوِّضَةِ عَلَى الصَّحيحِ فَهُوَ مُسْتَغْنِ عَن الذِّكْرِ، وإنَّما يُؤَثِّرُ ذِكرُهُ في التَّعْيين والتَّقْدِيرِ فَلا جَرَمَ إِنْ فَسَدَ التَّعِيْينُ بِأنْ ذكر حُرّاً أَو خَمْراً أَوْ خِنْزِيراً صَارَ كَأنَّهُ لَمْ يَذْكُرهُ وَيُرْجِعُ اِلَى مَهْرِ المِثْلِ، وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ يَلْغُو تَعْيينُهُ وَلَكِن يُرْجَعُ إِلَى قِيمَتِهِ إِذْ يُعْتَبَرُ الذِّكْرُ فِي تَقْدِيرِ مَبْلَغِ الصَّدَاقِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ في التَّعْيينِ فَيُقَدَّرُ الحُرّ عَبْداً والخَمْرُ عَصِيرًا والخِنْزِيرُ شَاةً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: لم يُردْ تَطْوِيلَ الكَلاَمَ في تفريع قولي ضمان العقد، وضَمَانِ اليد، فَاقْتَصَرَ على ذِكْرِ أصحهما وتبيين مأخذه واعْتَذَرَ عما يَتَوَجَّهُ عليه إِشْكَالٌ، فقوله:"فإن الصحيح أن الصَّدَاقَ عوَضٌ", إِشارَةٌ إلى ما قاله الأَئِمَّةُ أن القَوْلَينِ مَبْنيَّان، على أن الصَّدَاقَ نِحْلَةٌ أو عِوَضٌ، كالعِوَضِ في البيع، وربما رَدُّوا الكَلاَمَ إلى أن الغَالِبَ عليه مُشَابَهَةُ النِّحْلَةِ أو العِوَضِ، وتُوَجَّهُ جهة النحلة بقوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:٤] وأن النِّكَاحَ لا يَفْسَدُ بفَسَادِهِ، ولا يَنْفَسِحُ بِرَدِّهِ، وكونه عِوَضاً، بأن قوله: "زوجتك بكذا"كقوله:"بعْتُكَ بكذا"وبأنها تمكّنُ من الرِّدِّ بالعَيْبِ، وذلك من أحكم الأَعْوَاضِ، وبأنها تحبس نفسها لِتَسْتَوْفِيَهُ، وبأنه لو مَهَرَهَا شِقْصاً، ثبت للشريك الشُّفْعَةُ، كما لو باعها، وهذا أَصَحُّ.

وأجابوا عن الآية بأن النحْلَةَ قد يُرَادُ بها الدِّينُ، يقال: فلان يَنْتَحِلُ كذا، فالمعنى آتوا النساء صَدُقاتِهِنَّ تَدَيُّناً، ويجوز أن يكون المعنى عَطِيِّةً من عِنْدِ الله للنساء.

وأما أن النِّكَاحَ لا يَفْسَدُ بفساده، فَسَبَبُهُ ما سبق أن الصَّدَاقَ ليس رُكْناً في النِّكَاحِ، وإنما الركن فيه الزوجان، ولذلك يجب تَسْمِيَةُ الزوجين في النكاح، كما يجب تَسْمِيَةُ العِوَضِ في البيع، ولا يجب تَسْمِيَةُ المَعْقُودِ لهما البيع إذا بَاشَرَ الوَكِيلاَنِ، فلذلك لم يفسد النِّكَاحُ بفساد الصَّدَاقِ، لكنه إذا ثَبَتَ ثَبَتَ عِوَضاً، على أنه حكى قول عن القديم


(١) لما لو اتفق ذلك في البائع. فقول الزركشي والصواب عند الامتناع من التسليم التضمين ممنوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>