للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه يفْسَدُ النكاح بِفَسَادِ الصداق، ويقال: إنه مُخَرَّجٌ من قول سنذكره في مسألة شَرْطِ الخِيارِ في الصَّدَاقِ أنه يَفْسَدُ النكاح، وبه قال مَالِكٌ في رواية مَشْهُورَةٍ

وعن أحمد مثله، ويُخَرَّجُ هذا على قولهم: إن النكاح لا يفسد بِرَدِّ الصَّدَاقِ.

ثم إذا فَسَدَ الصَّداقُ بأن ذكر "حراً" ففيه قولان:

أصحهما: -وبه قال أبو حنيفة- أن الواجِبَ مَهْرُ المِثْلِ (١).

والثاني: ويُنْسَبُ إلى القديم، وبه قال أحمد: أن الوَاجِبَ قِيمَتُة بتقدير الرِّقِّ، وقد بُنِيَ القولان على أن الصَّدَاقَ إذا تَلِفَ قبل القَبْضِ يكون الرُّجُوعُ إلى مَهْرِ المِثْلِ، أو بَدَلِ الصَّدَاقِ، إن أوجبنا مَهْرَ المثل إذا لم يَبْقَ الصَّدَاقُ، فكذلك نُوجبُهُ، إذا لم يصلح المذكور لأن يكون صَدَاقاً، وإن أوجبنا بدَلَ الصَّدَاقِ هناك، فقد تَعيِّنَّا عَقْدَ الصَّدَاقِ مع فَواتِ العَيْنِ، اعتماداً على المَاليَّةِ، فكذلك في الابتداء يحكم بانْعِقادِ الصَّدَاقِ اعْتِمَاداً على المَالِيَّةِ، وقد تَوَجَّهَ القول الأول بأنه إذا كان العِوَضُ فَاسِداً، وجب رَدُّ العِوَضِ الآخر، فإذا تَعَذَّرَ رَدُّهُ لصحة النكاح، وَجَبَ مَهْرُ المِثْلِ، كما إذا اشترى شَيئاً بِعِوَضٍ فاسد، وَتَعَذَّرَ رَدُّ المَبِيع، يجب، قيمته والثاني: بَأنَّهُمَا إذا ذكرا عِوَضاً كان مَقْصِدُهُمَا ذلك العِوَضَ دُونَ قِيمَةِ البُضْعِ، وهي مَهْرُ المِثْلِ، ولذلك المذكور خصوص، وهو عينه، وعموم وهو ماليَّتُهُ، وإذا لم يكن اعْتِبَارُ عينه يعتبر الذكر في المالية فلا يَلْغُو التَّقْدِيرُ بذلك القَدْرِ، وإن لَغَا التعيين، ومن قال بالأول قال: إذا فَسَدَ المَذْكُورُ، فكأن التَّسْمِيَةَ لم تكن، فيوجب مهر المثل، وأيضًا فتقدير المالية فيما لا مالِيَّةَ له بَعِيدٌ، فَيَلْغُو التقدير، كما يَلُغُو التَّعْيِينُ ويفيد الذكر قصد العِوَضِ، وعدم الرَّضا بالتَفْوِيضِ، واختلفوا في مَحَلِّ القَوْلَيْنِ، فعن الشيخ أبي حَامِدٍ، وأبي بكر الصَّيْدَلاَنِيِّ والقاضي الحسين أن مَحَلَّ القَوْلَيْنِ ما إذا قال:"أَصْدَقْتُكِ هَذَا العَبْدَ" إما على ظَنِّ أنه عَبْدٌ, وإما مع العلم بأنه حُرٌّ، أما إذا قال:"أصدقتك هذا الحُرَّ" (٢) فالعِبارَةُ فاسِدَةٌ، ويجب مَهْرُ المِثْلِ قَوْلاً واحِدًا، وعلى هذا جَرَى صاحب "التهذيب" وغيره.

وفي "التتمة" طَرِيقَةٌ أخرى: أنه لا فَرْقَ بين اللَّفْظَيْنِ في جَرَيَانِ القولين، ولو قال: "أصدقتك هذا" واقْتَصَرَ عليه، فلا خَلَلَ في العبارة ففيه القولان ولو ذكر خمْراً، أو خِنْزِيراً أَو مَيْتَةٌ، فطريقان:

أحدهما: القَطْعُ بوجوب مَهْرِ المِثْلِ؛ لأنه لا مَالِيَّةَ لها، ولا قِيمَةَ، وتَقْدِيرُ القِيمَةِ بتغيير الصِّفةِ، والخِلْقَةِ بَعِيد، بخلاف الرِّقِّ المقدر في الحر، فإنه شيء حُكْمِيٌّ، وإذا


(١) في ب: ينفسخ.
(٢) لصحة النكاح وفساد التسمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>