للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستقبلاً في جميع صلاته. فليكن قوله: (ولا يجوز في الحضر) معلماً بالواو لمكان هذا الوجه. ثم يتعلق بلفظ الكتاب في الفصل مباحثتان:

إحداهما: أنه قال: (أما النوافل فيجوز إقامتها في السفر الطويل) ولفظ النوافل تدخل فيه الرواتب وغيرها، فما ليس بفرض، فهل يشمل الجواز الكل أم لا، والجواب أن طائفة من أصحابنا منهم القاضي ابن كج ذكروا أنه لا تقام صلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء على الراحلة، وإنما تقام الرواتب وصلاة الضحى، وما يكثر ويتكرر، وأما هذه الصلوات فهي نادرة فأشبهت صلاة الجنازة، وبهذه العلة منع بعضهم صلاة الجنازة على الراحلة، وهذه العلة والتي قدمناها من نحو صورة القيام ينبغي أن تختلفا في التفريع إذا صلاهما على الراحلة قائماً.

وقضية هذه العلة المنع، وقضية تلك العلة الجواز، وبه أجاب إمام الحرمين -رحمه الله-، وقضية لفظ الكتاب توافق إطلاق القول في النوافل بالجواز، وهو الظاهر عند الأكثرين، ولذلك قالوا في ركعتي الطواف، إن قلنا: بالافتراض فلا تؤدي على الراحلة، وإلا فتؤدي، ولم يبالوا بالندرة وقال في "التهذيب" يستوي فيه الرواتب وغيرها مما ليس بفرض.

والثانية: أنه قال: (راكبًا وماشيًا) والركوب كما يستعمل في الدابة يستعمل في السفينة، فيقال: ركب السفينة أو الدابة وركب البحر، فهل يجوز أن يتنفل في السفينة حيث ما توجهت كما يجوز على الدابة؟ والجواب لا؛ حكى ذلك عن نص الشافعي -رضي الله عنه- ذلك، لأنه متمكن من الاستقبال، ولهذا تقول لو كان في هودج على الدابة يتمكن فيه من الاستقبال يلزمه ذلك على الصحيح كما سيأتي، واستثنى في العدة عن راكبي السفينة الملاح الذي يسيرها فله أن يتنفل إلى حيث توجه؛ لأن تكليفه الاستقبال يقطعه عن النافلة أو عن عمله وسيره.

قال الغزالي: وَلاَ يَضُرُّ انْحِرَافُ الدَّابَّةِ عَنِ القِبْلَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الاسْتِقْبَالُ عِنْدَ التَّحَرمِ (و)، وَقِيلَ: لاَ يَجبُ إلاَّ إِذَا كَانَ العِنَانُ بِيَدِهِ، ثُمَّ صَوْبُ الطَّرِيقِ بَدَلٌ عَنِ القِبْلَةِ فِي دَوَامِ الصَّلاَةِ، وَلاَ يُصَلِّي رَاكِبُ التَّعَاسِيفِ إِذْ لَيْسَ لَهُ صَوْبٌ مُعَيَّنٌ، وَإنْ حَرَّفَ الدَّابَّةَ عَمْدًا عَنْ صَوْبَ الطَّرِيقِ بَطُلَتْ صَلاتُهُ، وإنْ كَانَ نَاسِياَ لَمْ تَبْطُلْ إنْ قَصُرَ الزَّمَانُ لَكِنْ يَسْجُدُ لِلْسَّهْوِ، وَإِنْ طَالَ فَفِي البُطْلاَنِ خِلاَفٌ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي الاسْتِدْبَارِ نَاسِيًا، وإنْ كَانَ بِجِمَاحِ الدَّابَّةِ بَطُلَ إنْ طَالَ الزَّمَانُ، وَإِنْ قَصُرَ فَوَجْهَانِ، ثُمَّ عَلَى الرَّاكِبِ أَنْ يُومِئَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودَ، وَيَجْعَلَ السُّجُودَ (ح) أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، وإنْ كَانَ فِي مَرْقِدٍ أتَمَّ السُّجُودَ وَالرُّكُوعَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>