للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرافعي: المتنفل في سيره إما راكب أو ماشٍ، ولا بد في الحالتين من النظر في الاستقبال وكيفية الأفعال، فبدأ بالكلام في الراكب ثم تكلم في الماشي، [أما الراكب] (١) فإما أن يكون على سرج ونحوه، ولا يمكنه إتمام السجود والركوع والاستقبال في جميع صلاته، وإما أن يكون في مرقد يمكنه ذلك، فأما في الحالة الأولى فلا يمنع من الصلاة بتعذر الاستقبال في جميعها، ولكن هل يجب عليه أن يستقبل القبلة عند التحرم؟ فيه وجوه:

أحدها: لا كما في دوام الصلاة؛ لأن تكليف الاستقبال يشق عليه ويشوش عليه سيره.

والثاني: نعم ليكون ابتداء الصلاة على صفة الكمال، ثم يخفف الأمر في الدوام كما أن النية يشترط اقترانها بالتكبير، ولا يشترط في دوام الصلاة فعلى، هذا الوجه لو تعذر الاستقبال في تلك الحالة لم تصح الصلاة أصلاً.

والثالث: أنه إن سهل عليه الاستقبال عند التحرم وجب وإلا فلا، فلو كانت الدابة واقفة وأمكنه الانحراف عليها إلى القبلة لو أدارها إليها أو كانت سائرة والزمام في يده ولا حران بها، فالاستقبال سهل، وإن كانت مقطرة أو صعبة الإدارة لحرانها فهو عسير.

أما الاشتراط عند السهولة، فلما روي عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كَانَ إذَا سَافَرَ وَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ بِنَاقَتِهِ، وَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ" (٢).

وأما عدم الاشتراط عند الصعوبة، فلدفع المشقة واختلال أمر السير عليه، ولهذا رخصنا في ترك الاستقبال في دوام الصلاة، وهذه الوجوه الثلاثة هي التي أوردها في الكتاب. واعلم أن الأكثرين سكتوا عن الوجه الثاني، واقتصروا على إيراد الأول والثالث، لكن حكاه الصيدلاني وتابعه إمام الحرمين، والمصنف على نقله، ثم إيراد الكتاب يقتضي أن يكون عدم الاشتراط مطلقاً أظهر؛ لأنه قال: "ولا يضر انحراف الدابة عن القبلة" ثم ذكر الوجهين الآخرين، والمذهبيون إذا أطلقوا الحكم، ثم قالوا: وقيل: كذا كأنه إشارةً منهم إلى ترجيح الأول إلا إذا نصوا على خلافه، لكن الذي رجحه معظم الأئمة إنما هو الوجه الثالث، وفيه جمع بين الخير والمعنى كما تقدم، ثم ظاهر لفظه في حكاية الوجه الثالث يقتضي الإيجاب فيما إذا كان العنان بيده ونفيه في غير هذه


(١) سقط في ب.
(٢) أخرجه أبو داود (١٢٢٥) بإسناد صحيح. وصححه ابن السكن. انظر الخلاصة (١/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>