قال الأصحاب: وموضع الرَّجْعَة ما لم يعترف بالخُلْع بل أنكر أخذ المال أو سكت وأقامت البينة، فأما إذا اعترف بالخُلْع وأنكر الإِكراه، فالطلاق بائن بقَوْله، ولا رجعة، ولو زنت المرأة فمنَعَها الزوج بعْضَ حقِّها، فافتدت بمال صَحَّ الخُلْع، وحلَّ الأخْذ له وعلى ذلك حمل قوله تعالى:{وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}[النساء: ١٩] ومن جعل منْعَ الحَقِّ كالإِكْرَاه بالضَّرْب قال: لا يَحِلُّ لَهُ الأخْذ، ولو أمْسَكَها عنْده وحبسَهَا ليرثها فماتت، وَرِثَها، وحكى القاضي ابن كج والحَنَاطي قَوْلاً أنَّه لا يرثها، هذه مقدمة الكتاب.
واعلم: أن الفُرْقة الحاصلة على العوض تارَةً تَكُون بلفظة الخُلْع، ويحتاج فيه إلى معرفة حقيقته وكيفية تأثر النكاح به، وتارَةً يكونُ بلفظ الطَّلاق، ويحتاج فيه إلى النَّظَر في لفظ الزوج تعليقاً بالبدل والإِعطاء وإلزاماً، وفي لفظ المرأة التماساً للطَّلاَق والتزاماً للمال، وسواء وقعت الفرقة بلفظ الخُلْع أو الطلاق، فلصحتها أركانٌ، وقد يعوض بين المتعاقدَيْن في كيفية العقْد الجاري بينهما نزاعٌ فضمن المصنِّف فِقْه هذا الكتاب في خمسة أبواب: بابٌ في حقيقة الخُلْع، وبابٌ في أرْكَان الصِّحَّة، وبابٌ في ألفاظ الزوج المتعلقة بالإِعطاء، وبابٌ في التماس الطلاق على العوض، وبابٌ في النزاع، ورَتَّبَ ما يتعلق بالبابَ الأول في فصْلَيْن:
أحدهما: في كيفية تاثيره في النِّكَاح.
والثاني: في بيان ما يشبه الخُلْع من المعاملات وينزع إليه، ومقصودُ الفصلين معاً يتفرع على أن الخُلْع طلاقٌ، أم لا, ولا شك في أن المفارقة بلفظ الطلاق على عِوَضٍ طلاقٌ، ويستوي في ذلك صريحُ الطَّلاق وكنايته مع النية، وإذا لم يجر إلاَّ لفظُ الخُلْع، فقولان: الجديدُ أنَّه طلاق يُنْتَقَص به العَدَد، وإذا خالعها ثلاثَ مراتٍ، لم ينكحْها إلا بمحلِّل، ويروى هذا عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود -رضي الله عنهم- وبه قال أبو حنيفة ومالك واختاره المُزَنِيّ، ووجْهُه أنها فُرْقَة لا يملكها غير الزَّوْج، فيكون طلاقاً كما لو قال: أنتِ طالقٌ على ألْف، أو خالَعْتُكِ طلْقةً بألْف، والقديمُ: أنه فَسْخ لا ينقص به العَدَد، ويجوز تجديد النِّكَاح بعد الخُلْع من غير حَصْر، ويروى هذا عن عبد الله بن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم- وبه قال أحمد ووجْهُه بأن فُرْقة النِّكاح تحصل بالفَسْخ كما تحصل بالطلاق، ثم الطلاق ينقسم إلى: ما هو بعوض، وإلى ما هو بغَيْر عِوَض، فليكنِ الفَسْخ كذلك، ولا فسخ بعوض سوى الخُلْع، وبأن فُرقة الخُلْع لا رَجْعة فيها بحال، فلا يكون طلاقاً، كالرَّضَاع، ولأنها فرقة حصَلَت بمعاوضة، فيكون فَسْخاً، كما لو اشترى الزوج زوجته وبنى بانون القولين على أن النِّكاح هل يَقبْل الفسخ بالتراضي، فعلى قول يقبل، كالبيع، وعلى