هاهُنَا فيما إذا قال: فَسَخْتُ نكاحَكِ بِكَذَا، وهذا لا يستعمل في النكاح إلاَّ في الخلع، وليس ما نحن فيه كالطَّلاق والتَّحريم؛ لأن الطَّلاقَ يشتمل على أحكام غريبة؛ كنقصان العَدَد وغيره فتعين له اللفظ المستعمل فيه شرعاً، وأمَّا الفَسْخ فهو النَّقْص والرَّفع لا غير، وإذا قال: فَادَيْتُكِ بكذا فقالَتْ: قَبِلْتُ أو افتديت، فوجهان في أنَّه صريحٌ أو كنايةٌ.
أظهرها: أنَّه صريحٌ كلفظ الخُلْع لورود القرآن به؛ قال الله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة: ٢٢٩].
والثاني: أنه كنايةٌ؛ لأنه لم يتكرر في القرآن، ولا شاع في لسان حَمَلَة الشريعة، وأجْرِيَ هذا الخلاَفُ في الألفاظ التي وردت في سائر العقود، ولم تتكرَّرْ، كلفظ الفك في العتق والإِمساك في الرجعة، ولو قلنا بأن لفظي الفسخ والمفاداة كنايةٌ، فيجيء في انعقاد الخُلْع بهما خلاف نذكره في أن الخُلْع هل ينعقد بالكنايات، إذا قلنا: إنَّه فَسْخ، ولو نوى بالخُلْع الطلاقَ والتفريع على قول الفسخ، فوجهان، اختيار القاضي حسين والمَذْكور في الكتاب "والتَّتِمَّة" أنَّه لا يكون طلاقاً، وينفذ في الفَسْخ الذي هو صريح فيه؛ لأنه أمكن تنفيذه في موضعه صريحاً، فلا ينصرف إلى غيْره بالنيَّة، كما أن الطَّلاَق لا يصير ظِهَاراً بالنية وبالعكس.
والثاني: أنَّه يكون طلاقاً؛ لأن اللفظ محتمل له، وقد اقترنت النية به فصار كسائر الكنايات، وليس الفَسْخ والطَّلاَق كالظهار والطلاق (١)؛ لأنَّ الفَسْخ والطلاق نوعان يدخلان تحت جنْس البينونة، والطلاق والظهار لا يتقاربان مثل هذا التقارب، وإيراد صاحب "التَّهْذيب" يُشْعر بترجيح هذا الوجْه، وقَطَع به بعض أصحابنا العراقيين، ومن نصر الوجه الأول: اعتذر عما لو قال: أنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ؛ فإن مطلقه صريح في التزام الكفارة على الأَظْهر كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى -ومع ذلك لو أراد به الطَّلاَقَ نَفَذ، وكان كنايةً فيه، وبأن التزام الكفارة لا يختص بالنِّكَاح بل يجري في مِلْك اليمين، إذا قال لأمته: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وإذا لم يختصَّ بالنكاح لم يبعد أن ينصرف من حكم من أحكام النكاح إلى حُكْم آخَرَ بالنِّيَّة.
ولو قال لزوجته فَسَخْتُ نكَاحَكِ, ونوى الطلاق، وهو مُتَمَكِّن من الفَسْخ بعيب فيها، ففيه وجهان للقائلين بأنه لو نوى بالخُلْع الطلاقَ لم يكن طلاقاً، ومنهم من وفي بقضية كلامه وقال: لا يكون طلاقاً؛ لأنَّه أمكن تنفيذه في حقيقته، بخلاف ما إذا لم يوجد سبب الفَسْخ، والأَظْهر فيه -وبه قال القاضي الحسين- أنَّه يكون طلاقاً؛ لأن الفَسْخ لا يختص بالنكاح، بل يدخل في سائر العقود، فجاز التصرُّف