خالع الحائض، أو طلقها على مال، فهو غير مُحَرَّم، واحتج عليه بإطلاق قوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة: ٢٢٩]، وبأن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أَطْلَقَ الإِذْنَ لِثابِتِ بْنِ قَيْسٍ في الخُلْعِ"(١) عَلى ما بَيَّنَّا في أول "كتاب الخُلْع" من غير بَحْثٍ واستفصال عن حال الزوجة، وليس الحَيْض بأمر نادر الوجود في حقِّ النساء، واختلفوا في المعنى المجوِّز للخُلْع على وجهين:
أحدهما: أن المنع إنما كان محافظةً على جانِبِها، لتضررها بتطويل العدة، فإذا اختلعت بنفسها رضيت بتطويل الانتظار.
والثاني: أن بذل المال أشْعَر بقيام الضرورة، أو الحاجة الشديدة إلى الخلاص، وفي مثْل هذه لا يحْسُن الأمر بالتأخير ومراقبة الأوقات، وخرَّجوا على المعنيين صورتَيْن:
إحداهما: إذا سألت الطلاق، ورضيَتْ به، من غير مال، فهل يكون بدعيًّا؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لرضاها بتطويل العدة.
والثاني: نَعَم؛ لأن تلك الضرورة لم تتحقق، وقوله تعالى:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: ١] ولا يفرِّق بين أن يكون هناك سؤالٌ أو لا يكون، وهذا أظْهَر، وهو المذكور في "التهذيب".
الثانية: في خُلْع الأجنبي في الحَيْض وجهان؛ لأنه لم يوجد رضاها بالتطويل، ووجدت الضرورة الداعية إلى بَذْل المال، والأظهر -وبه أجاب "القَفَّال"- وهو المذكور في "التتمة": أنَّه لا يجُوز؛ لأنَّه لم يوجد منها الرضا بالتطويل، ولم يوجد منْها بذل المال المُشْعِر بشدة حاجتها إلى الخلاص، وقضية الأظْهَر في الصورتين تعليلُ جواب خلعها، بمعنى ثالث وهو اقتداء صاحبة الواقعة نفسها بالمال لا مُطْلَق الاقتداء، والمولى إذا طولب بالطلاق، فطَلَّق في زمان الحيض ففي "النهاية" و"الوسيط" وغيرهما: أنَّه لا يكون طلاقه بدعيًّا؛ لأنها طالبة له، وراضية له وهو حقٌّ يؤديه عليه؛ لدفع ضرر، وكان يجوز أن يقال هو يدعي؛ لأنه بالإِيذاء والإِضرار أحْوَجَها إلى الطَّلَب، وهو غير ملجأ إلى الطلاق، بل هو يتمكن من أَن يفي إليها، والمطلوبُ أحد الأمرين من الفيئة أو الطلاق، فلا ضرورة له إلى الطلاق في الحَيْض، وأما الذي ذكَره في الكتاب فهُوَ الطلاق على المولى عند امتناعه ولا شَكَّ في أنه لا يكون بدعيًّا، وان وقع في الحيض، وفي "شرح مختصر الجويني" أن الطلاق إذا رآه الحكمان في صورة الشقاق لا يكون