ذلك في جميع البلاد في المحاريب المتفق عليها بين أهلها، وإن عني به الاجتهاد في التيامن والتياسر فالفرق بين الكوفة والبصرة كما نقله الروياني وهو بعيد أيضاً؛ لأن كل واحدة منهما قد دخلها الصحابة وسكنوها وصلوا إليها، فإن كان ذلك مما يفيد اليقين وجب استواؤهما فيه، وإن لم يفد اليقين فكذلك والله أعلم.
قال الرافعي: المصلي إما أن يقدر على معرفة القبلة يقيناً أو لا يقدر عليها، فإن قدر على اليقين فليس له الاجتهاد كالقادر على العمل بالنص لا يجوز له الاجتهاد، وحكى القاضي الروياني وجهين فيما إذا استقبل المصلي حجر الكعبة وحده بناء على هذا الأصل.
وقال: الأصح المنع؛ لأن كونه من البيت غير مقطوع به، وإنما هو مجتهد فيه، فلا يجوز العدول عن اليقين إليه. ثم المعرفة يقيناً قد تحصل بالمعاينة، وقد تحصل بغير المعاينة كالناشئ بمكة يعرف القبلة بأمارات تفيده اليقين وإن لم يعاين كما سبق، وكما لا يجوز للقادر على اليقين الاجتهاد لا يجوز له الرجوع إلى قول الغير أيضاً، وإن لم يقدر على درك اليقين فلا يخلو: إما أن يجد من يخبره عن القبلة عن علم وكان المخبر ممن يعتمد قوله أَوْ لاَ يجد فإن وجد رجع إلى قوله ولم يجتهد أيضاً كما في الوقت إذا أخبره عدل عن طلوع الفجر يأخذ بقوله ولا يجتهد، وكذلك في الحوادث إذا روى العدل خبراً يؤخذ به، وكل ذلك قبول الخبر من أهل الرواية وليس من التقليد في شيء، ويشترط في المخبر أن يكون عدلاً يستوي فيه الرجل والمرأة، والحر والعبد.
وفي وجه لا تشترط العدالة بل يقبل خبر الفاسق؛ لأنه لا يتهم في مثل ذلك، والمذهب الأول، ولا يقبل خبر الكافر بحال، وفي الصبي بعد التمييز وجهان كما في رواية إخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم-. والأكثرون على أنه لا يقبل. ثم الإخبار عن القبلة قد يكون صريحاً وقد يكون دلالة. أما الصريح فلا يخفى.
وأما الدلالة فنصب المحاريب في المواضع التي يعتمد عليها كما سبق في التفصيل، ولا فرق في لزوم الرجوع إلى الخبر بين أن يكون الشخص من أهل الاجتهاد