للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين أن لا يكون، حتى إن الأعمى يعتمد بالمحراب إذا عرفه باللمس حيث يعتمد البصير بالرؤية، وكذا البصير إذا دخل المسجد في ظلمة الليل اعتمد المحراب باللمس، هكذا ذكر صاحب "التهذيب" وغيره، وقال في "العد" إنما يعتمد الأعمى على المس إذا شاهد محراب المسجد قبل العمى، أما لو (١) لم يشاهد فلا يعتمد عليه.

ولو اشتبهت عليه طيقان المسجد فلا شك أنه يصبر حتى يخبره غيره صريحاً، وإن خاف فوات الوقت صلى على حسب الحال وأعاد، هذا إذا وجد من يخبره عن علم وكان ممن يعتمد قوله، أما إذا لم يجد فلا يخلو: إما أن يكون قادراً على الاجتهاد أو لا يكون، فإن قدر على الاجتهاد لزمه الاجتهاد والتوجه إلى الجهة التي يظنها جهة القبلة، ولا تحصل القدرة على الاجتهاد إلا بمعرفة أدلة القبلة وهي كثيرة صنفوا لذكرها كتبًا مفردة، وأضعفها الرياح، لأنها تختلف وأقواها القطب وهو نجم صغير في نبات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي إذا جعله الواقف خلف أذنه اليمنى كان مسقبلاً للقبلة، هكذا يكون بناحية الكوفة وبغداد وهمذان (٢) وقزوين (٣) والري (٤) وطبرستان وجرجان (٥)، وما والاها إلى نهر الشاش، وليس على القادر على الاجتهاد أن يقلد غيره فيعمل باجتهاده كما في الأحكام الشرعية، ولو فعل يلزمه القضاء، ولا فرق بين أن يخاف فوت الوقت لو اشتغل بالاجتهاد أو أتمه وبين أن لا يخاف في أنه لا يقلد، لكن عند ضيق الوقت يصلي لِحَقِّ الوقت كيفما كان ثم يجتهد ويقضي.

وقال ابن سريج: يقلد عند خوف الفوات.

وقال في "النهاية": لو كان في نظره وعلمه أن وقت الصلاة ينتهي قبل انتهاء نظره فيقلد ويصلي في الوقت أم يتمادى إلى إتمام الاجتهاد في نظره؟ وهذا كما لو تناوب جمع على بئر وعلم أن النوبة لا تنتهي إليه إلا بعد الوقت، وقد ذكرنا خلافاً في أنه هل يصبر أو يتيمم ويصلي في الوقت؟ فتحصل من هذا الكلام وجه ثالث أنه يصبر إلى إتمام


(١) في ط إذا.
(٢) هَذَان: بالتحريك والذال معجمة، وآخره هون، مدينة من الجبال أعذ بها ماء وأطيبها هواء انظر معجم البلدان (٥/ ٤٧١).
(٣) قزوين بالفتح ثم السكون وكسر الواو وياء مثناة من تحت ساكنة ونون، وهي مدينة مشهورة. انظر مراصد الاطلاع (٣/ ١٠٨٩).
(٤) الرَّي بفتح أوله وتشديد ثانية، مدينة مشهورة من أمهات البلاد، وأعلام المدن كثيرة الخيرات قصبة بلاد الجبال. انظر مراصد الاطلاع (٢/ ٦٥١).
(٥) جُرْجان بالضم وآخره نون مدينة مشهورة عظيمة بين طبرسنان وخراسان، وهي قطعتان إحداهما المدينة، والأخرى بكر أباذ وبينها نهر كبير انظر مراصد الاطلاع (١/ ٣٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>