للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاجتهاد ولا يصلي وإن فات الوقت لا كيفما كان ولا بالتقليد.

وما ذكرناه من الاجتهاد يتصور في حق الغائب عن مكة، فأما الحاضر بمكة إذا لم يعاين الكعبة لحائل بينه وبين الكعبة نظر: إن كان الحائل أصليًا كالجبل فله الاجتهاد والاستقبال بالاستدلال، ولا يكلف صعود الجبل أو دخول المسجد لما فيه من المشقة، وإن كان الحائل حادثًا كالأبنية فوجهان:

أحدهما: لا يجوز لأن الفرض في مثل هذا الموضع قبل حدوث البناء إنما هو المعاينة دون الاجتهاد فلا يتغير بما طرأ من البناء.

وأصحهما: الجواز كما في الحائل الأصلي لما في تكليف المعاينة من المشقة، وما ذكره في الكتاب قبل هذا الفصل أن الواقف بمكة خارج المسجد إذا لم يعاين الكعبة يستدل عليها بما يدل عليها كأنه جواب على هذا الوجه، ولو خفيت الدلائل على المجتهد إما لتغيم اليوم أو لكونه محبوسًا في ظلمة فتحير لذلك أو لتعارض الدلائل عنده ففي المسألة ثلاثة طرق:

أظهرها: أن فيها قولين:

أصحهما: عند الأكثرين: أنه لا يقلد لأنه قادر على الاجتهاد والتحير عارض وقد يزول عن قريب.

والثاني: -وهو اختيار ابن الصباغ-: أنه يقلد؛ لأنه عجز عن استبانة الصواب بنظره فأشبه الأعمى.

والطريق الثاني: القطع بالقول الأول.

والثالث: القطع بالثاني، فإذا قلنا: لا يقلد فيصلي كيف اتفق ويقضي كالأعمى لا يجد من يقلده يصلي لحق الوقت ويقضي، وإن قلنا: إنه يقلد فهل يقضي؟ ذكر في "النهاية" أنه على وجهين مبنيين على القولين في لزوم القضاء إذا صلى بالتيمم لعذر نادر، لا يدوم كما سيأتي نظائره.

وقضية هذا الكلام: أن يكون الأظهر وجوب القضاء على قولنا: إنه يقلد، كما أن الأظهر لزوم القضاء على من تيمم في الحضر لفقد الماء، ولكن الذي أورده الجمهور تفريعاً على قولنا: أنه يقلد أنه لا قضاء عليه كالأعمى إذا صلى بالتقليد، ثم قال إمام الحرمين -قدس الله روحه-: الخلاف المذكور في تحير المجتهد موضعه ما إذا ضاق الوقت وخشي الفوات، فأما في أول الوقت ووسطه يمتنع التقليد لا محالة إذ لا حاجة إليه، ثم قال: وفي المسألة نوع احتمال وسببه الإلحاق بالتيمم في أول الوقت مع العلم بأنه ينتهي إلى الماء في آخر الوقت، وهذا آخر الكلام في القادر على الاجتهاد؛ أما

<<  <  ج: ص:  >  >>