للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاجز عنه فينقسم إلى عاجز لا يمكنه تعلم الأدلة كالأعمى وإلى عاجز يمكنه التعلم.

أما الأول فالأعمى لا سبيل له إلى معرفة أدلة القبلة، لأنها تتعلق بالصبر فالواجب عليه التقليد كَالْعَاميِّ في الأحكام، وإنما يجوز تقليد المكلف المسلم العدل العارف بأدلة القبلة، يستوي فيه الرجل والمرأة، والحر والعبد، وتقليد الغير هو قبول قوله المستند إلى الاجتهاد، حتى إن الأعمى لو أخبره بصير بمحل القطب منه وهو عالم بدلالته، أو قال: رأيت الخلق الكثير من المسلمين يصلون إلى هذه الجهة كان الأخذ بمقتضاه قبول خبر لا تقليد، ولو وجد مجتهدين واختلف اجتهادهما قلد من شاء منهما، والأحب أن يقلد الأوثق والأعلم عنده. وقيل: يجب ذلك فإن تساوى قول اثنين عنده تخير.

وقيل: يصلي مرتين إلى الجهتين، وفي معنى الأعمى البصير الذي لا يعرف الأدلة وليس له أهلية معرفتها، فيقلد كالأعمى؛ لأن عدم البصيرة أشد من عدم البصر.

القسم الثاني: العاجز الذي يمكنه التعلم فيبني أمره على أن تعلم أدلة القبلة هل هو من فروض الأعيان أم لا، فيه وجهان:

أحدهما: لا بل، هو من فروض الكفايات كالعلم بأحكام الشريعة، ولأن الحاجة إلى استعمالها نادرة فإن الاشتباه مما يندر وأصحهما أنه من فروض الأعيان كأركان الصلاة وشرائطها بخلاف تعلم الأحكام فإنه يحتاج (١) إلى زمن طويل وتحمل مشقة كبيرة. فإن قلنا لا يجب التعلم فله أن يصلي بالتقليد ولا يقضي كالأعمى. وإن قلنا: يتعين فليس له التقليد، فإن قلد قضى لتقصيره، وإذا ضاق الوقت عن التعلم فهو كالعالم إذا تحير في اجتهاده وقد قدمنا الخلاف فيه. وأرجع بعد هذا إلى ما يتعلق بلفظ الكتاب خاصة فأقول.

أما قوله: (فالقادر على معرفة القبلة لا يجوز له الاجتهاد) فاعلم: أن القادر على معرفتها وإن كان يمتنع عليه الاجتهاد لكن امتناع الاجتهاد لا يختص به، لأن من وجد عدلاً يخبره عن القبلة إخباراً يستند إلى علم في زعم المخبر يمتنع عليه الاجتهاد، ومع أن قوله لا يحصل المعرفة فإن قلت: قوله: يحصل الظن وإن لم تحصل المعرفة، والفقهاء كثيراً ما يعبرون بلفظ العلم والمعرفة عن الظن، وعن المشترك بين العلم والظن بالعلم في كونه معمولاً به في الشرعيات، فلعله أراد بالمعرفة ذلك، والجواب: أن لفظ المعرفة وإن كان يستعمل فيما ذكرت لكنه ما أراد به في هذا الموضع إلا العلم اليقيني، ألا تراه يقول في "الوسيط": فإن كان قادرًا على معرفة جهة القبلة يقينًا، لم يجز له الاجتهاد على أنه لا يمكن إرادة المشترك بين العلم والظن في هذا السياق؛ لأن الاجتهاد


(١) في أيفقتر.

<<  <  ج: ص:  >  >>