للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْغَزَالِيُّ: (الخَامِسُ): زَوَالُ العَقْلِ بِالجُنُونِ، وَشُرْبُ الدَّوَاءِ (و) المُجَنِّنِ يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفَاتِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَيَقَعُ طَلاَقُهُ فِي ظَاهِرِ النُّصُوصِ، وَقِيلَ: قَوْلاَنِ فِي تَصَرُّفَانِهِ حَتَّى فِي أَفْعَالِهِ، وَقِيلَ: تَنْفُذُ أَفْعَالُهُ، وَالقَوْلاَنِ في التَّصَرُّفَاتِ، وَقِيلَ: يَنْفُذُ مَا عَلَيْهِ دُونَ مَالِهِ، وَحَدُّ السَّكْرَانِ أَنْ يُشْبِهَ المَجْنُونَ فِي الاخْتِلاَطِ، فَإِنْ سَقَطَ كَالمَغْشِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالنَّائِمَ فَلاَ يَنْفُذُ (ز) مَا تَلَفَّظَ بِهِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وما يُخِلُّ بقَصْد الطَّلاق اختلالُ عَقْل المطلِّق؛ أمَّا المَجْنُون فقَدْ تبيَّن في الركْن الأول أنَّه لا يقع طلاقه، وفي معناه المُغْمَى عليْه، وكلّ من زال عقْلُه بسبب هو غيْر متعدٍّ فيه، كما لو أوجر الخمر أو أُكْرِه على شربه، أو لم يَعْلَم أن المشروب من جنْس ما يُسْكِره، وعُدَّ من هذا القبيل ما إذا شَرِبَ دواء يزيل العَقْل على قصْد التداوي، ولك أن تَقُول في التداوي بالخمر خِلاَفٌ يُذْكَر في موضعه، فإذا (١) جَرَى ذلك الخِلاَف في الدَّواء المزيل للعَقْل، وقُدِّر اطراده في القليل والكثير، فالمَذْكور هاهُنَا جوابٌ على جواز التَّدَاوي، ويُمْكن أن يُقَدَّر تخْصيصُ الخلاف بالقَدْر الذي يُزيل العَقْل، وتصوير هذه الصورة بما إذا ظَنَّ أن القَدْر الَّذي تناوَلَه لا يزيل العَقْل، وكذلك صَوَّر بعضهم، وإن لم يجر ذلك الخلافُ في الدَّواءِ المُزِيل للعَقْل كان السَّبَب فيه أن الطَّبْع يدعو إلى شُرْب الخَمْر، فيحتاج فيه إلى المبالغةَ والزجر، بخلاف الأدوية.

وإذَا تعدَّى، فشَرِبَ الخَمْر، فسَكِر، فالمشهور المَنْصُوص في الكتاب أنَّه يقع الطَّلاق، وحَكى المزنيُّ في ظِهَار السَّكْران قولَيْن عن القديم، فاختلف الأصحاب: منهم من قَطَع بوقوع الطَّلاق، وقال: ما رواه المزنيُّ لا يُعْرَف للشافعي في شَيْءٍ مِنْ كُتُبه، وإليه ذهب الشيخ أبو حامد والأرجح، وبه قال الأكْثَرُون: أنَّ في وقوع الطَّلاق قولَيْن، كما رواه في الظهار:

أحدهما: أنَّه لا يَقَع؛ لأنَّه لا يَفْهَم ولا يَعْقِل، وليس له قصْد، صحيح فأشبه المجنون، وبهذا قال المزنيُّ، ويُحْكَى عن ابن سُرَيْجٍ وأبي طاهر الزيادي، وأبي سَهْل الصعلوكِّي، وابنه سهْل -رحمهم الله-.


= وجود التكليف، ولهذا جزم الماوردي هنا بالتصديق مع موافقته على المذكور في الإِيمان فقال: ولو اختلفا، فقالت: كنت أهلاً وقت الطلاق وإنما تجاننت وتغاشيت أو تغامضت وتناومت، فقال: بل كنت لذلك، صدق بيمينه.
(١) في ز: فإن.

<<  <  ج: ص:  >  >>