وأصحُّهما: الوقوعُ، وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله- لأنَّه عاصٍ بسبب الزوال، فيُجْعَل كأنه لم يَزُل، ويكون كالصَّاحي، وهذا كمَا أنَّه يجب قضاء الصلوات، ويُجْعَل زوال العَقْل؛ لكونه بالتَّعَدِّي كعدم الزوال.
وعن أحمد -رحمه الله- روايتان كالقولين، وعن مالك -رحمه الله- فيما روى صاحب "التهذيب" أنَّه لا يقع، ورَوَى العراقيون والمتولي أنَّه يقَع كما هو مذهب أبي حنيفة.
ولو شَرِب الدواء المجنِّنَ من غير تداوٍ وغرض صحيح، فزال عقْلُه ففيه طريقان:
أظهرهما: وبه قال القاضي أبو حامد: أنَّه كالسكران؛ لتعديه.
والثاني: أنَّه كالمجنون والنائم؛ لأنَّ الطَّبْع لا يدعو إلَى تناوُله، وإنما صِرْنا إلى الوقوع في السَّكْران؛ تغليظاً للحاجة إلى الزَّجْر، ثمَّ هاهنا كلامان:
أحدهما: في محل القولَيْن في صورة السَّكْران والمتعدي بشُرْب الدواء المُجنِّن، وفيه طرق:
أحدها: أن القولَيْن في نفوذ أقواله كلِّها كالطَّلاق والعِتَاق والرِّدَّة والإِسلام والبَيْع والشراء، وغيرها، وأما أفعاله كالقَطْع والقَتْل وغيرهما، فهي كأفعال الصَّاحى بلا خلاف؛ لقوة الأفعال.
والثاني: حكى القاضي ابن كج عن أبي الطيِّب بْن سلمة أن القَوْلَيْنِ في الطلاق والعتاق والجنايات، ولا يصح بيْعه وشراؤه بلا خلاف؛ لأنَّه لا يَعْلَم ما يعقد عليْه، والعلْم شرْط في المعاملات.
والثالث: أن القولَيْن فيما له كالنِّكَاح، أمَّا ما عليه الطَّلاق والإِقرار والضمان، فهو ناقدٌ لا محالة تغليظاً عليه؛ وعلى هذا فلو كان التصرُّف له من وجه، وعليه من وجْه كالبيع والإِجارة، فيحكم بنفوذه، تغليباً لطرف التغليظ.
الرابع: وهو الأظهر على ما ذَكَر الحليمي وغيره أن القولَيْن جاريان في الأقوال والأفعال كلِّها، حتَّى لو قَتَل السكران، أو قَذَف أو زَنَا، ففي وجوب القصاص، والعقوبة علَيْه قولان، وعلى هذه الطَّريقة ينطبق ما يُقَال إن القول اخْتَلَف في أن السكران، كالصاحي أو المجنون.
والثَّاني: ذَكَروا في حد السكر عبارات؛ فعن الشافعيِّ -رضي الله عنه- أن السكران، هو الذي اختلط كلامه، المنظوم، وانكشف سرُّه المكتوم، وعن المُزَنِيِّ أن