السَّكْران: هو الذي لا يُفَرِّق بين الأرض والسماء، وبين أمه وامرأته.
وقيل (١) هو الَّذي يُفْصِح بما كان يَحْتَشِم منه.
وقِيل: هو الَّذي يتمايل في مَشْيه، وَيهْذي في كلامه.
وقيل: هو الَّذي لا يَعْلَم ما يقُول.
وعن ابن سُرَيْجٍ، وهو الأقرب: أن الرجوع فيه إلى العادة، فإذا انتهى إلى حَالَةٍ من التغير، يقع عليْه اسم السُّكْر، فهو موضع الكلام، ولم يرض الإِمام هذه العباراتِ، لكن قال: شَارِبُ الخَمْر تعتريه ثلاثة أحوال:
إحداها: هزَّة ونشاط يأخذه إذا دبت الخمر فيه، ولم تستول علَيْه بعد، ولا يزُولُ العَقْل في هذه الحالة ربَّما يحتدُّ.
والثانية: نهاية السكْرِ، وهو: أن يصير طافِحاً، ويسقط كالمغشيِّ عليه، لا يتكلَّم، ولا يكاد يتحرَّك.
والثالثة: حالة متوسِّطة بينهما وهي أن تختلطَ أحوالُه فلا تنْتظم أقوالُه وأفعاله، ويبقى تمييز وفهم كلام، فهذه الحالة الثالثة سكر، وفي نُفوذ الطَّلاق فيها الخِلاَف الذي بيَّنَّاه، وأمَّا في الحالة الأُولَى فينفذ الطَّلاق لا محالة؛ لبقاء العَقْل، وانتظام القَصْد والكلام، أمَّا في الثانية: فالأظْهَرُ عنْد الإِمام وهو المذكُور في الكتاب؛ أنَّه لا ينفذ لأنَّه لا قَصْد له؛ كأنه جَرَى على لسانه لفْظ، فهُو كما يُقْرَض في حقِّ النائم، والمُغمَى عليْه، ومن الأصحاب من جعله علَى الخِلاَف المذْكُور لتعديه بالتسبب إلى هذه الحالة، وهذا أوفق لإِطلاق أكثرهم والله أعلم.
وقولُه في الكتاب "زوال العَقْل بالجنون وشرب الدواء المجنن يمبع نفوذ التصرفات" أراد به ما إذا تَناولَه تَدَاوياً، فأما إذا تعدَّى به، ولم يكُنْ له غرضٌ، فهو كالمتعدِّي بشرب الخمر على ما بيَّنا.
وقوله:"فيقع طلاقُهُ في ظاهر النصوص" يجوز إعلام قوله: "فيقع" بالميم والألف والزاي، وهذا اللَّفْظ في السياق الذي أتَى به يُشْعِر بطريقة القطْع بوقوع الطَّلاق.
وقوله:"وقيل قولان في تصرفاته" وأراد بهاهنا الأقوال؛ ألا ترَاه قال:"حتَّى في أفعاله" وأيضاً فقد قال "تَنْفُذُ أفْعَالُهُ، والقَوْلاَن في التَّصَرُّفات" وفي الاصطلاح المشهور لفظ التصرف يَدْخل فيه القول والفعل.