للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضاف إلى المقيد، فيقال: حلَّ فلانٌ المقيَّد، وحل القيْد عنه، وإن لم ينوِ إيقاع الطلاق عليها، فوجهان:

أحدهما: ويُحْكى عن أبي إسحاق واختيار القاضي الحُسَيْن أنَّه يقَع الطلاق، لأنَّه قدْ وُجِدَ لفْظ الطلاق، وقصده، والطلاق نقيضُ العقْد وحل له، فيَلْقِي، ولا يحتاج إلى التعرُّض للمحلِّ.

وأظهرها: وبه قال مُعْظَم الأصحاب: أنَّه لا بُدَّ من إضافته إليها؛ لأن محَلَّ الطلاق المرأة، دون الرجُل، واللفظ مضافٌ إليه، فلا بُدَّ من نية صارفة تجعل الإِضافة إليه إضافةً إليها؛ من حيْث إن بينهما سبباً منتظماً يصحُّ الكناية بأحدهما عن الآخر، وإذا قلْنا به، فمَهْما نوى إيقاع الطَّلاق عليها، كان ناوياً أصْل الطَّلاق، وإن قلْنا بالوجه الأول، فالَّذي يُشْعِر به ظاهر النَّصِّ في "المختصر"، وصرح به الإِمام وغيره: أنَّه لا بُدَّ من نية أصْل الطلاق؛ لأن اللفظ كنايةٌ من حيْث إنَّه مضافٌ إلى غيْر محلِّه، ولو جرد القصد إلى تطليق نَفْسه، ولم يقتصر على قصْد أصْل الطَّلاق، فقَد قال الإِمام: الوجْه عندنا: أنَّه لا يقع الطَّلاق، وإن لم يعتبر قصْد الإضافة إليها؛ لأنَّه خصَّصه بغير محلِّ الطَّلاق، فيمتنع الصَّرْف إلَيْه، ومنْهم منْ حَكَم بوقَوعه، ولو قال: أنا منْك بائنٌ، فلا بدَّ من نيَّة أصْل الطلاق، وفي نية الإِضافة إليها الوجْهان، وإذا نواها، وقَع، كما في قوله: أنا منْكِ طالقٌ، وساعدنا أبو حنيفة -رحمه الله- في لفْظ البينونة؛ وعلى هذا قِيَاسُ سائر الكنايات؛ بأن يقول: أنا منْكَ بَرِيءٌ أو خليٌّ، ولو قال: أَسْتبرئُ رَحِمِي منْكِ، ونوى تطليقها، ففيه وجْهان:

أحدهما: يقع، والمعنى أستبرئ الرحِمَ الَّتي كانَتْ لي.

والثاني: المنع؛ لأن اللفظ غير منتظِمٍ في نفسه، والكناية شرطُها أن تحتمل معنيين فصاعداً، وهي في بعْض المعانِي أظْهَر، وهذا أصحُّ عند الإِمام وصاحب "التتمة" وهو المذكور في الكتاب ورجَّح صاحب "التهذيب" الأول.

ويجري الخلاف فيما إذا قال: أنا معتدٌّ منْك أو مستبرئٌ رحمي، ولم يقُلْ "منك" وساعد المتولِّي صاحب "التهذيب" هاهنا على ترجيح الوقُوع. ولو قال السيِّد لعبْده: أنا منْكَ حُرٌّ أو أعتقت نفسي منك ونوى عتْق العبد، فوجهان:

عن ابن أبي هريرة: أنَّه يعتق، والمعنى أنا حرٌّ من تعهُّدك والإنفاق عليْكَ والتزام مؤناتك، وأصحُّهما: المنْع، وفرَّقوا بينه وبيْن الطلاق بأنَّ الزوجية: تَشْمَل الجانبين، وكلُّ واحد منهما زوج الآخر؛ فيجوز الكناية بأحدهما عن الآخر، والرِّقُّ لا يشملهما على هَذَا النسق، بل أحدهما مالِكٌ والآخر مملوك، فلا يجوز الكناية بأحدهما عن الآخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>