وعلى هذا الخلاف يبنى وَقْت احتساب العدة، فإِن قلْنا بالوقوع عنْد التعيين، فمنه وتُحْسَبَ العدة، قال في "الشامل" وهو مذهب أبي حنيفة وأَصحابه، وبهذا الوجه قال ابن أَبي هريرة، وهو عنْد بعضهم مصير منه: إلى أَن الطلاق يَقَع عنْد التعبير.
وقال الشيخ أبو حامد: إن الوُقُوع عنْده باللفظ لكنْ يجوز أن تجب العدَّة بالطَّلاق، ثم يتأخر الاحتساب عنْه، كما أن العدَّة في النكاح الفاسِدِ تجب بالوطء وتحتسب من وقت التفريق، وإن قلنا: إنه يقع من وقْت اللفظ، فعلى الخلاف المذكور فيما إذا نَوَى عنْد ابتداء اللفظ واحدةً معيَّنةً، فيكون الظاهر احتسابَ العِدَّة من يومئذٍ، وبه قال أبو إسحاق -رحمه الله- والاحتساب من وقْت التعيين أرجَحُ عنْد أكثرهم، كيف قُدِّر البناء، وهذا كله في حياة الزوجين، وسنذكر أنهما إذا ماتتا أو إحداهما، تبقى المطالبة بالتعيين؛ ليتبين حكم الميراث وحينَئِذٍ، فإن أوقعْنا الطلاق باللفظ فذَاك، وإن أوقعنا بالتعيين، فلا سَبِيلَ إلى إيقاع الطَّلاق بَعْد الموت، ولا بُدَّ من إسناد بالضرورة، وإلى ماذا يستند، فيه وجهان:
أحدهما: أنه يستند، والحالة هذه، إلى وَقْت اللفظ، ويرتفع الخلاَف إذا وَقَع التعيين بعد الموت.
والثَّاني: إلى ما قبل الموت فيقع الطلاق حينئذٍ؛ لأَن عمرها كان وقْت التعيين فإذا انصرم، أسندنا الطلاق إلى آخر، حالة من حالات إمكان التعيين، وهو كحكمنا فيما إذا تلف المبيع قبْل القبض بارتداده إلى مِلْك البائع قبل التلف، ورجَّح صاحب الكتاب هذا الوَجْه، قال.: "على الأوجه يعني من هذَيْن الوجهَيْن، وجعل في "النهاية" الأصحَّ الوجه المقابل له، وقوله: أو "عند الإِبهام" وهو الوجه الآخر، وإن أراد بالإِبهام إرسال اللفظ المبهم أولاً، وفي بعض النسخ "على هذا الوجه أو عند الإبهام للضرورة" فيه خلافٌ وهو صحيح أيضاً.
الرابعة: لو وَطِئَ إحداهما، نُظِر؛ إن كان نوى واحدةً بعينها، فهي المطلَّقة، وقد تعينت هي بالنية المقترنة باللفظ والوطء لا يكون بياناً لذلك التعيين، وتبقى المطالبة بالبيان، فإن بين الطلاق في الموطوءة، فعَلَيْه الحَدُّ إن كان الطَّلاق بائناً، وعليه المَهْر؛ لجهلها بأنها المطلَّقة، وإن بيَّن في غير الموطوءة، قُبِلَ، فلو ادعت الموطوءة أنَّه أرادها حُلِّفَ، فإن نَكَل، وحَلَفَتْ، حُكِمَ بطلاقها، وعليه المَهْر، ولا حَدَّ للشبهة؛ فإن الطلاق ثَبَت بظاهر اليمين، وإن لم ينوِ واحدةً بعينها، فهل يكون الوطء تعييناً؟ فيه وجهان، ويقال قولان:
أحدهما: أن الوطء يعيِّن الأخرى للطلاق؛ لأنَّ الظاهر أنَّه إنَّما يطأ مَنْ تحلُّ له، وصار كوطْء الجارية المبيعة في زمان الخيار، فإنَّه يكون فسْخاً أو إجازة وبهذا قال أبو