للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنيفة والمُزَنِيُّ، وأبو إسحاق، حكاه القاضي أبو الطيِّب عن أبي الحَسَنُ الماسرجسي سماعاً ورجَّحه القاضي ابن كج.

والثاني: وبه قال ابن أبي هريرة: أنَّه لا يكونَ تَعْييناً، كما لا يكون بياناً؛ لأن ملك النكاح لا يَحْصُل بالفعْل ابتداءً فجاز (١) أن يتدارك بالفعل ولذلك لا تحصل الرجعة بالوطء ونخالف وطء الجارية المبيعة بشرط الخيار وإن ملك اليمين فيحصل بالفعل ابتداء فجاز أن يتدارك بالفعل وفي "الشَّامِل" و"التتمة" (٢) أن هذا ظاهرُ المَذْهَبِ، والخِلاف مبنى عند بعْضِهم على أن الطَّلاق يقَع عنْد اللفظ أو عند التَّعْيين إن قلْنا عند اللفظ فالوطء تعين وإن قلنا عند التعيين، فالفعل لا يصلح موقعاً، وهذا ما أورده في الكتاب، وإذا جعلْنا الوطء تعيينًا فهل تكون سائر الاستمتاعات تعييناً؟! فيه وجهان بناءً على الخلاف في أن المباشرة فيما دون الفرج هل تحرم الربيبة فإن جعلنا الوطئ تعييناً للطلاق في الأُخْرَى، فلا مَهْر للموطوءة وإلا فتطالب بالتعيين، فإن عيَّن الطلاق في الموطوءة، وجَب المَهْر، إن قُلْنا بوقوع الطَّلاق عنْد اللفظ، وإن قلْنا بالوقوع عنْد التعيين، حَكَى الفوراني أنَّه لا يجب المهر، وذكر فيه احتمالاً آخر؛ أخذاً من وجوب المَهْر في وطء الرجعية.

فَرْعٌ: ذَكَر صاحب "الشامل" وغيره تفريعاً على أن الوطء تعيين أن الزوج لا يمنع من وطء أيتهما شاء، وإنما يمنع الوطء فيهما إذا لم يجعل الوطء تعييناً ولما أطلق الأكثرون المَنْع منهما جميعاً أشْعَر ذلك بأن الظاهر عنْدَهُم أنَّه ليْس بتعيين.

الخامسة: في صُورة ألفاظ البيان والتعيين إذا كان قد نَوَى واحدةً بعينها، فيحصل البيان بأن يَقُول مشيراً إلى واحدة: المطلقةُ هذه.

ولو قال: الزوجة هذه، تبيَّن الطلاق في الأخرى، وكذا لو قال: لم أُطَلِّقْ هذه، ولو قال: أردت هذه بل هذه، حُكِمَ بطلاقهما جميعاً؛ لأنَّه أقر بطلاق المشار إلَيْها أولاً، ثم رجع، مستدركاً، وأقر بطلاق الثانية فلا يقبل الرجوع عن الإقرار الأول، ويؤاخذ بالثاني كما لو قال: لفلان عليَّ درهمٌ بل دينارٌ.

ولو قال: أردتُّ هذه وهذه، فكذلك الجواب فإنَّه أقر أنَّه طَلَّقهما، وكذا لو حَذَف الواو، فقال: هذه هذه، وأشار بكل لفظة إلى واحدة، أو قال: هذه مع هذه، قال


(١) في ز: فلا.
(٢) قال النووي: هذا الثاني، هو الأصح عند الرافعي في "المحرر"، وهو المختار، قال في "الشامل": وهو ظاهر نص الشَّافعي رحمه الله، فإنه قال: إذا قال: إحداكما طالق، منع منهما، ومن يقول: الوطء تعيين، لا يمنعه وطء أيهما شاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>