للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِمام وهذا فيما يتعلَّق بظاهر الحُكْم، فأما بينَه وبيْن الله تعالى، فالمطلقة هي التي نواها لا غير، حتَّى لو قال: إحداكما طالقٌ ونواهما جميعاً قال: الوجْه عنْدنا أنهما لا يطلقان، ولا يجيْء فيه التردُّد المذْكُور فيما إذا قال: أنتِ طالقٌ واحدةً، ونوى ثلاثةً؛ لأنَّ حمل إحدى المرأتين عليهما جميعاً لا وجْه له، وهناك يَتطرَّق إلى الكلام تأويلٌ بيناه.

ولو قال: أردتُّ هذه ثم هذه، فالمذكور في "التهذيب" و"التتمة" أنَّه تُطلَّق الأُولَى دون الثانية، ويمثله أجابا فيما إذا قال: أردتُّ هذه فهذه، وعلل ذلك بأن قضيَّة الحرفين الترتيب والتعقيب، فقد أثبت في الثانية طلاقاً على موجب الترتيب، وهو لم يُطلِّقْ إلا واحدةً، وهذا حكاه الإِمام عن القاضي الحُسَيْن -رحمهما الله-، واعترض بأنَّه كيف ما قَدَّر موجب الكلام، ففي قوله: "أردتُّ هذه ثم هذه" اعترافٌ بالطلاق فيهما، فليكن الحكم كما في قوله: أردتُّ هذه وهذه، والحق هو الاعتراض (١).

ولو قال: أردتُّ هذه بعْد هذه، فقياس الأَوَّل أن تطلَّق المشار إليها بائناً وحدها، ولو قال هذه قبل هذه أو بعدها هذه فقياس الأول أن تطلق المشار إليها أولاً وحدها، وقياس الاعتراض الحُكْمُ بطلاقهما في الصورتين.

ولو قال: أردتُّ هذه أو هذه، واستمر الإِشكال والمطالبة بالبيان، ولو كانَتْ تحْته أربعٌ، فقال: إحداكن طالقٌ، ونوى واحدةً بعينها، ثم قال: أردتُّ هذه بل هذه بل هذه بل هذه طُلِّقْن جميعاً، وكذا لو عطف بحرف الواو، ولو عطف بـ"ثمَّ" أو بـ"الفاء" عاد المنقول عن القاضي، والاعتراض.

ولو قال، وهنَّ ثلاثٌ؛ أردتُّ أو طلقتُ هذه بل هذه أو هذه، طُلِّقَت الأولى وإحدى الأخريين، ويؤمر بالبيان، وإن قال: هذه أو هذه بل هذه طُلِّقَت الأخيرة، وإحدى الأولين يؤمر بالبيان، ولو قال: هذه، وهذه، أو هذه فيُنْظَرُ إن فصل الثالثة عن الأوليين بوقفة، أو بنغمة أو أداء فالطلاق متردِّد بين الأوليين وبين الثالثة وحدها، وعليه البيان فإن بين، في الثالثة طُلِّقَت وحْدها، وإن بين في الأوليين أو إحداهما، طُلِّقَتَا؛ لأنَّه جَمَع بينهما بالواو العاطفة، فلا يفترقان، وإن فَصَل الثانية عن الأُولَى تَردَّد الطلاق بيْن الأُوَلى، وإحدى الأخريين، فإن بين في الأولى، طُلِّقت وحدها، وإن بَيَّن في الأخريين أو إحداهما طُلِّقَتا جميعاً، وإن سرد (٢) الكلام سَرْداً ولم يفصل احتمل كون الثالثة مفصولة عنهما، واحتمل كونها مضمومة إلى الثانية مفصولة عن الأولى فيسأل ويعمل بما


(١) قال النووي: قول القاضي أظهر.
(٢) في ز: تردد.

<<  <  ج: ص:  >  >>