للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخرة، وضم بعْضها إلى بعْض، فتُطَلَّق الأولى، ويتردد بيْن الثانية وحْدها، وبين الأخريين معاً، وقد يفرض الفَصْل بين الأوليين والأخريين، والضَّم فيهما، فتطلق الأوليان والأخريان، [وقد يفرض فصل] الرابعة عما قبلها، فتطلَّق الرابعة، ويتردَّد الطلاق بين الثالثة وحْدها وبين الأوليين معاً، وإذا قال لواحدة أن المطلقة هذه، ثم قال لا أدري، أهي هذه أو واحدةٌ من الباقيات، فتلْك الواحدة، مطلَّقة بكل حال، وتوقف الباقيات، فإن قال بعْد ذلك: تَحقَّقْتُ أن المطلقة الأُولَى، قُبِل، ولم يُطَلَّق غيرها، وإن عيَّن أخْرى، حُكِم بطلاقها, ولم يُقْبَل رجوعه عن الإقرار الأول، واعلم أن الوقفة التي جعلناها فاصلةً بين اللفظين مع إعمال اللفظين هي الوَقفة اليسيرة، فأمَّا إذا طالَقْ فَقَطَعَت ونظم الكلام كما إذا قال: أردتُّ هذه، ثم قال بعد طول المدة أو هذه وهذه، فهذا الكلام الثاني لغو لا يستقل بالإفادة، وهذا كلُّه فيما إذا نوى عند اللَّفْظ المبهم واحدةً بعينها، أما إذا أرْسَلَه إرسالاً، ولم ينوِ شيئاً، فلما طولب بالتعيين، قال مشيراً إلى واحدة: هذه المطلقة تعيَّنت ويلغو ذكْر غيرها، سواء عطف الثانية عليها "الواو" أو "الفاء" أو "ثُمَّ"، وكذا لو قال: وهذه بَلْ هذه؛ لأن التعيين هاهنا ليْس إخباراً عن ما سَبَق، وإنَّما هو إنشاءُ اختيار، وليس له إلا اختيار واحدةٍ، فيلغو اختيار ما بعدها ولا فَرْق في ذلك بين أن نوقع الطلاق عنْد التعيين، وأسنده إلى وقت إطلاق اللفظ المبهم؛ لأنا، وإن أسندناه، فلا نجعل التعيين اختياراً، وإنما هو إنشاء تتمة، اللفظ، ويخالف الحالة الأولى؛ فإنه يُخْبِرُ هناك عن أمر سابق، ويجوز أن يكون صادقاً في الخبر الثاني دون الأول، فإذا اجتمع الإِقراران، لم يَكُنْ بُدٌّ من المؤاخذة بهما.

السادسة: قد سَبَق أنه إذا قال لزوجَتِه: إن كان هذا الطائر غُرَاباً، فأنْتِ طالقٌ، وأشْكَل الحال، لا يُحْكم بوقوع الطلاق، وأنه لو قال: إنْ كان غراباً، فزينب طالقٌ، وإن كان حماماً فعَمْرةُ، لا يحكم بطلاق واحدة منهما، فلو ادَّعَتِ التي عَلَّق طلاقها بكونه غراباً أنَّها مطلقة، فعليه أن يَحْلِفَ جزماً على نَفْي الطلاق، كما إذا طَلَّق واحدة، ونَسِيَ عيْنَها، وقالت إحداهما: أنا المطلَّقة وقد ذكرناه، وإن قالت كان غراباً فأنا طالقٌ، فعليه أن يَحْلِفَ على البَتِّ أنَّه لم يكن غراباً ولا يكفي أن يقول: لا أعلم كوْنَه غراباً، أو نسيت الحال، ذكره الإِمام، وفَرَّق بينه وبين ما إذا علَّق طلاقها على دخُولِها أو دُخُول غيرها، وأنْكَر حصوله، حيث يكون الحَلِف على نفْي العِلْم بالدخول بأن الدُّخُول هُنَاكَ فِعْل الغير، والحلف على نفْي فعْل الغير يكون على العِلْم، ونفْيُ الغرابية ليس كذلك، بل هو نَفْيُ صفة في الغير ونَفْيُ الصفة كثبوتها في إمكان الاطلاع، وإذا كان الشَّيْء ممَّا يُطَّلَع عليْه في الجملة لم تُغَيَّر القاعدة بأن يفرض بعد رؤيته؛ بأن كان الطيران في الليلة المظلمة، والرجل في كن، لم يَكُن الأمر في مظنة البَحْث والمراجعة.

قال في "البسيط" وفي القلب منه الفَرْق بين نفي الغرابية ونفي الدخول شيء

<<  <  ج: ص:  >  >>