أحدهما: أنَّه لا يقع في الحال شَيْءٌ، ويقع طلقة غداً؛ لأن الطلقة تعلَّقت بالغد، وقوله "اليوم" بعد ذلك كتعجيل الطلاق المعلَّق، وقد مر أنه لا تتعجل، وبهذا قال أبو حنيفة والقاضي أبو حامد، وذكر الشيخ أبو عاصم أنه الصحيح.
والثاني: أن الحكم فيه كما لو قال: أنتِ طالقٌ اليَوْمَ وغداً وهو المذكور في "التهذيب"، ولو قال: أنتِ طالقٌ اليوم وغداً وبعد غدٍ، تقع في الحال طلقةٌ، والمطلَّقة في وقْت مطلَّقةٌ فيما بعْده، فلا يقع شيْء آخر، كذلك حكاه صاحب "التتمة" ويقربُ من الصورة ما إذا قال: أنتِ طالقٌ اليوم، وإذا جاء الغد، قال إسماعيل البوشنجي -رحمه الله-: يراجَعُ إن قال: عنيْتُ طلقةً، تقع اليوم وتبقى مطلقة بعد هذا، لم يقع إلا واحدة، وإن قال: أردتُّ طلقةً اليوم، وطلقة غداً، أوقعناه (١) كذلك وإن كانت مدخولاً بها، وإن لم يكُنْ له نيَّة لا يقضي بالتعدُّد، كما لو قال: أنتِ طالقٌ اليوم وغداً، ولو قال: اليوم، ورأس الشهر، فهو كما لو قال: أنتِ طالقٌ اليوم وغداً، ولو قال: اليوم، ورأس الشهر، فهو كما لو قال: اليوم وغداً.
وقال المتولِّي: ولو قال: أنتِ طالقٌ اليومَ، وفي الغدِ وفيما بعْد الغد، يقع في كل يَوْمٍ طلقةٌ؛ لأن الاختلاف في الظرف يوجب التعدد من المظروف وبمثله حَكَم فيما إذا قَل: في الليل وفي النهار، وليس التوجيه بواضح، ويجوز أن يختلف الظرف، ويتَّحد المظروف، ولو قال أنتِ طالقٌ بالليل والنهار، لم تطلَّق إلا واحدة، ولو قال: أنتِ طالقٌ اليوم أو غداً؛ فوجهان عن رواية الشيخ أبي عاصم:
أصحُّهما: أنَّها تُطلَّق غداً؛ لأنَّه اليقين، وهذا ما ذكرناه من قبْلُ مستشهدين بالمسألة.
والثاني: يقع في الحال؛ تغليباً للإِيقاع ويوافق الوجه الأول ما ذكَره الشيخ البوشنجي أنه لو قال: أنتِ طالقٌ غداً أو بعْد غد أو إذا جاء الغَدُ أو بعد غد، لا يُقْضَى بوقوع الطلاق في الغد، قال: وعليه استقر رأْيُ أبي بكر الشاشي وابن عقيل ببغداد -رحمهما الله-. ولو قال: أنتِ طالقٌ اليوم إذا جاء الغد، فعَنِ ابْنِ سريج وصاحب "التقريب": أنَّه لا يقع الطلاق أصْلاً؛ لأنه علَّقه بمجيْء الغد، فلا تُطلَّق قبْله، وإذا جاء الغد مَضَى اليوم الذي جعَلَه محلاًّ للإِيقاع.
والثاني: أنَّه إذا جاء الغد، وقع الطَّلاق مستنداً إلى اليوم، ويكون كما لو قال: إذا قِدَم زيْد، فأنتِ طالقٌ [اليوم] قبل ما إذا جاء الغَدُ مستحيل فيلغو ما ينشأ منْه الاستحالة.
وأمَّا لَفْظ الكتاب، فقوله:"ولو قال: أنْتِ طالقٌ أمْسِ لم يستند إلى الأمس" المراد منْه ما إذا قَصَد إيقاع الطلاق بالأمس.