للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الانحلال، فقد سَكَت عنها الجمهور، وليس في المختصر تعرُّض لذلك، وإنما نَصَّ على أنَّه يخرج عن الإيلاء، ولا يَلْزم من الخُروج عن الإيلاء انحلالُ اليمين، كما سبق في صورة نزولها علَيْه.

وهل يسقط حقُّها بالوطء الجاري في الجنون؟

فيه وجهان مشهوران في كُتُب الأصحاب -رحمهم الله-:

أحدهما، ويحكى عن المزنيِّ: أنه لا يسقط، ولها (١) المطالبة بعْد الإفاقة، كما لا يحصل به الحنث، ولا تنحل اليمين.

وأظهرهما: نعمْ، ووجه بأن الوطء حقٌّ عليه، فتصح توفيته في حال الجنون، كما لَوْ رَدَّ في الجنون وديعةً إلى صاحبها.

وأيْضاً، فإن وطء المجنون كوطء العاقل في التحليل، وتقرير المهْر، وتحريم الربيبة، وسائر الأحكام، وكذلك فيما نحن فيه، وفرَّ قوانيْنَه وبيْن الحنث والكفارة؛ بأن ذلك حَقُّ الله تعالى، والفيئة حق المرأة، ويعتبر في حقِّ الله تعالى من القَصْد الصحيح ما لا يُعْتَبَر في حق الآدميِّ؛ ألا ترى أن الذمية إذا اغتسلَتْ عن الحيض، يصحُّ؛ اغتسالها في حق الزوج، ولا يصح في حق الله تعالى؛ لأنَّه ليست لها نيَّة صحيحة، وإذا قلْنَا بالأول ثبتت لها المطالبة، كما أفاق أم لا بد من استئناف مدَّةٍ، فيه وجهان:

أحدهما، يقال: إن أبا يعقوب الأبيوردي حكاه عن ابن سُرَيْج: -رحمهما الله- أنه لا بُدَّ من استئناف المدة؛ لأن الوطء أحد الأمرين المطلوبين، فإذا وُجِدا بَطَلت المدة، كما لو طلَّقها، ثُمَّ راجَعَها، يجب الاستئناف، وأقيسهما على ما ذكر الإِمام -رحمه الله- أنَّها تثْبُت في الحال؛ لأن المدَّة قد انقضت، ولم يتخلل ما يُخِلُّ بالنكاح؛ كالطلاق والردة.

ولو آلى عن إحدى امرأتيه بعينها، ووطئها، وهو يظن أنه يطأ الأخرى، قال في "التهذيب" [يخرج] (٢) عن الإيلاء، وفي الكفارة الخلاف المذكور في الناسي، وقوله في الكتاب "وإذا جُنَّ الرجل، لم تنْقَطِع المدَّة" مكرر قد ذكره مرَّةً؛ حيث قال في الحكم الأول "وكذلك مرَضُه وحبْسُه وجنونه"، وزاد هاهنا أنه إذا انقضت المدَّة، وهو مجنون، لا يُطالَب بشَيْء، حتى يفيق؛ لأنه ليس أهلاً للتكليف والمطالبة، وأيضاً فإن الامتناع عنْد الجنون ليْس لليمين وقَصْد المضارَّة والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ: وَطِئْتُ قَبْلَ المُدَّةِ فأنْكَرَتْ فَالقَوْلُ قوله كَمَا فِي العُنَّةِ


(١) في ز: فلها.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>